28 أكتوبر 2025
تسجيلإنها أمنية مَن صلح حاله وعرف مآله، إنه لا يقابل السيئة بمثلها بل عن قوة واقتدار يعفو ويصفح مستعينا بالاستغفار على شهوة الانتقام، والقرآن أشار على لسان نبي الله صالح حين قال لقومه: { قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النمل:46)، فالرحمة غاية كل مسلم والآية جعلت من الاستغفار مطية قوية إليها. لولا تستغفرون الله، نداء خوطبت الأمة جميعا به، وإن كانت النازلة في قوم صالح — عليه السلام — حين قال للفريق المعاند التابع للهوى المرابط على كفره: لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة؟. قال مجاهد: أي بالعذاب قبل الرحمة، والمعنى: لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب لكم الثواب وتقدّمون الكفر الذي يجلب إليكم العقوبة؟ وقد كانوا لفرط كفرهم يقولون: ائتنا يا صالح بالعذاب، وكأن للكفر لسانا واحدا ألم يقل مشركو مكة {إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } خاطبهم نبي الله صالح بقوله: { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله } هلا تستغفرون الله وتتوبون إليه من الشرك { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }. فالاستغفار صفة جالبة لرحمة الله جل وعز، وهو مصدر مأخوذ من مادّة (غ ف ر) الّتي تدلّ على السّتر في الغالب الأعمّ فالغفر السّتر، والغفر والغفران بمعنى (واحد)، يقال: غفر اللّه ذنبه غفرا ومغفرة وغفرانا، قال الشّاعر في الغفر: في ظلّ من عنت الوجوه له... ملك الملوك ومالك الغفر وفي الحديث: غفار غفر اللّه لها. قال ابن الأثير: يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة أو إخبارا أنّ اللّه تعالى قد غفر لها. واستغفر اللّه ذنبه، على حذف الحرف، طلب منه غفره. أنشد سيبويه: أستغفر اللّه ذنبا لست محصيه.. ربّ العباد إليه القول والعمل والغفّار كما قال الإمام الغزاليّ — رحمه اللّه —: هو الّذي يظهر الجميل ويستر القبيح، والذّنوب من جملة القبائح الّتي سترها اللّه بإسبال السّتر عليها في الدّنيا، والتّجاوز عنها في الآخرة. ومن ثمرات الاستغفار كما قال الكفويّ: إنّ الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب ولا يستحقّه إلّا المؤمن ولا يستعمل إلّا في (حقّ) البارى تعالى، وفوق ذلك يستجلب رحمة الله جل وعز. إن الاستغفار له فوائد فوق ما ذكر نفسية عميقة الجذور، إنها تهدي النفس الثائر وتربط على قلبه، وتطفئ جذوة الانتقام التي تجعل من صاحبها أسير هوى تسيره حيث شاءت. والاستغفار له ألفاظ عديدة، وسيدها على الإطلاق قول النبي صلي الله عليه وسلم: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "كذا رواه البخاري في صحيحه.