16 سبتمبر 2025

تسجيل

ضريبة إهمال التحديات الاقتصادية

13 فبراير 2011

يزعم هذا المقال بأن هناك تداعيات سياسية للأخطاء الاقتصادية ويؤكد أن القادة السياسيون يدفعون ثمنا غاليا عند إظهار اللامبالاة حيال الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمجتمع.لا شك بأن أحداث مصر هي التي دفعتنا للكتابة حول هذا الموضوع، لكن يبدوا لنا بأن الشعب المصري قرر الانتفاضة لكرامته وليس بالضرورة لأسباب معيشية واقتصادية. فقد أقدم النظام على عدم الاكتراث برأي الشعب تماما كما حدث في الانتخابات البرلمانية نهاية 2010. ويزخر التاريخ الحديث بالكثير من الشواهد بوجود أعباء باهظة لإهمال التحديات الاقتصادية حتى في ظل تحقيق انتصارات في السياسة الخارجية. ولا أدل على ذلك من فشل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بالفوز لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية للعام 1992 رغم خروجه منتصرا من حرب تحرير الكويت وغزو بنما وسقوط جدار برلين. وقد لامست هذه التجربة الرئاسية عن قرب حيث كنت أدرس حينها في الولايات المتحدة، ورأيت عدم قدرة بوش الأب على توظيف أحداث دولية تخص بلاده في كسب رأي الشعب الأمريكي في ظل وجود أزمة مديونية الحكومة الفدرالية. بل نجح منافسه بيل كلينتون في توظيف بعض الحقائق الاقتصادية لصالحه وخصوصا موضوع زيادة الضرائب. وكان الرئيس الجمهوري بوش قد اشتهر باستخدام عبارة (أقرأ شفتاي لا ضرائب) لكنه اضطر في نهاية المطاف للموافقة على زيادة الضرائب لمواجهة العجز في المالية العامة بقرار من الكونجرس والذي كان خاضعا في ذلك الحين لسيطرة الحزب الديمقراطي. وربما دفع بوش ثمنا لسياسات سلفه رونالد ريغان والذي عمل نائبا له والتي اشتهرت بتبني برنامج طموح حمل اسم حرب النجوم في ذروة الحرب الباردة مع ما كان يعرف سابقا بالاتحاد السوفيتي. وقد كشفت تجربة خسارة بوش الأب بأنه من الخطأ بمكان الاعتقاد بأن تحقيق نجاح في السياسية الخارجية قد يجلب نجاحا مضمونا في الداخل. وربما هذا يفسر جانب من مدى اهتمام الساسة الأمريكيين بالتركيز على القضايا المحلية وخصوصا المعيشية لضمان حصولهم على ثقة الناخبين. وتبين حديثا بأن الرئيس باراك أوباما ركز على القضايا المحلية أثناء إلقاء أول خطاب له في شهر يناير 2011 عن حالة الاتحاد. وكان لافتا عدم ذكر الكثير من التحديات السياسية موضع اهتمام الولايات المتحدة وخصوصا القضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار ٍسألت دبلوماسيا أمريكيا عن سبب إهمال أوباما لقضايا دولية تعد حجر الزاوية في السياسية الأمريكية فكان الرد بأن الأمر مرده توقع الشعب الأمريكي من رئيسه الحديث عن قضايا محلية مثل الضرائب والخدمات الصحية والتعليمية في ظل عدم وجود تهديد خارجي محدد أو سياسية خارجية يود الرئيس الدفاع عنها. وفي الأرجنتين في العام 2001، أقدمت الحكومة على وضع ضوابط على عمليات سحب المودعين لأموالهم بهدف الحد من حالات السحب. وقد حدث التطور كرد فعل على خطوة نسبة مؤثرة من المودعين بسحب أموالهم من البنوك وتحويلها لدولارات وإرسالها للخارج على خلفية تفشي أزمات اقتصادية منها التضخم والبطالة وفقدان الثقة في اقتصاد البلاد.وشملت الخطة الحكومية تجميد عمليات السحب لمدة عام مع بعض الاستثناءات فيما يخص مع متطلبات المعيشة في إطار برنامج تقشف بهدف القضاء على العجز المالي للقطاع العام في ظل شبه انعدام احتياطي البلاد من العملة الصعبة. عرفت خطة وضع حد لعمليات السحب ببرنامج (كوراليتو). وقد أدت الأزمة إلى حدوث صدامات دامية بين الناس والشرطة إلى فرار الرئيس (فرناندو ديلارو) في نهاية 2001 الأمر الذي أساء لسمعة ومكانة البلاد على المستوى العالمي. وكان (ديلارو) قد انتخب رئيسا للبلاد في العام 1999 لكنه ورث وضعا اقتصاديا لا يحسد عليه نتيجة تراكمات شملت سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم وحرب الفوكلاند ضد بريطانيا وتنامي المديونية. بدوره دفع الرئيس الأندونيسي سوهارتو بكرسي الحكم ثمنا لسلسلة قرارات صعبة في أعقاب الأزمة الآسيوية في 1997 والتي تسببت في تراجع في قيمة العملة الوطنية (الروبية) الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مستوى التضخم المستورد وبالتالي المستوى المعيشي للمواطنين. وقد امتد حكم سوهارتو لمدة 32 عاما ولكن لم تفده خبرته في تفادي غضب الشعب. وشملت الخطوات التي اتخذها سوهارتو رفع أسعار المحروقات والكهرباء والمواصلات العامة في إطار البحث عن مصادر جديدة للإيرادات وتقليص النفقات العامة. وربما كانت هذه الخطوات ضرورية في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي لكنها جاءت في التوقيت الخطأ بالنسبة للناس والذي كانوا يعانون الأمرين أصلا بسبب انتشار الفقر والبطالة والتضخم. وقد اشتهرت أندونيسيا إبان حكم سوهارتو كواحدة من أسوأ الاقتصاديات على مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية. يقيس هذا المؤشر الحيوي مدى استعداد المسؤولين لتقبل الرشاوى لتنفيذ أمور تدخل في صلب أعمالهم العادية كموظفين في القطاع العام. كما اشتهر سوهارتو بالمبالاة بهموم شعبه في هذه البلاد المترامية الأطراف حيث التركيز على العاصمة جاكرتا على حساب المناطق البعيدة والنائية. تبلغ مساحة البلاد 1.9 مليون كيلومتر مربع وبها مئات الجزر. من جملة الأمور، أدت الأخطاء السياسية والاقتصادية أدت في نهاية المطاف إلى تنازل السلطة عن منطقة (تيمور الشرقية) وسط ضغوط دولية. ختاما، ليس من الصواب بل من الخطأ الجسيم للسياسيين لتركيز على الأمور السياسية على حساب القضايا الاقتصادية والمعيشية لأنه كما يقال في الولايات المتحدة فإن الناخبين يدلون بأصواتهم لمن يخدم مصالح محافظهم أكثر من غيرهم وفي ذلك إشارة للوضع المعيشي. فمن الممكن تحقيق انتصارات خارجية أحيانا ولكن ليس في كل الأوقات.