11 سبتمبر 2025

تسجيل

كل ابن آدم خطَّاء

13 يناير 2016

ليس النبيل ـ عند الخاصة من أهل الفضل ـ الخالي من الأخطاء، بل النبيل حقاً هو من يملك الجرأة والقوة على الاعتراف بخطئه، ولا يجد مرارة الإقرار بذلك، فهو يدرك من داخله أن الاعتراف بالخطأ خلق الأنبياء وأهل الفضل، يذكر القرآن قصة آدم وحواء عليهما السلام وقد وقعا في الخطأ، وأكلا من الشجرة المنهي عنها؛ لكنهما ارتقيا بقولهما: "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" فاستحقا رحمة الله ومعها المغفرة. ويذكر كذلك قصة موسى عليه الصلاة والسلام، حين نسي وعده مع العبد الصالح، قال في أريحية تامة: "لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً" فاستمرت صحبته مع الخضر يتعلم ويستزيد منه. وفي المقابل : إبليس عصى ربه ورفض السجود، وهذا خطأ كان يستوجب منه التوبة والاعتراف، لكنه تمادى بقوله: "أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" فأصابه الكبرياء والغطرسة والغرور، فعاقبه الله عز وجل بقوله: "فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ*). وهذا شأن الناس إلى قيام الساعة، فكما أن لآدم ذريةً، فكذا لإبليس أيضاً أتباع وذرية، وسنجد دوما خيار الناس عندما يخطئ أحدهم، يقول في رضى: "رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي"، يقولها وهو موقن أن الاعتراف خير له وأجدى من التمادي في الباطل، يعترف ولسان حاله يقول: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم". وأما غيره ممن يفعل الخطأ ولا يؤوب ولا يتوب ولا يعترف؛ يترقي به الحال إلى أن يستمرئ ويستحسن ويشرع! فهو دائما يبحث عن مخرج، أو تصحيح، أو فلسفة، وإن كانت تافهة حتى يصير غباؤه عنده ذكاء وخطؤه صواباً، وقد يتطور به الحال لينتقل من تصويب الخطأ إذا اقتنع به، إلي تحليل الحرام إذا وقع فيه!! وهذه بلية كبيرة.شتان بين اثنين: بين من ينظر إلي نفسه في إطار (قولي صواب لا يحتمل الخطأ) وبين من يعش في إطار (كل ابن آدم خطاء)، الصنف الأخير يعيش محمود السريرة، عند الله وعند الناس، فلا ينزعج من نقد الناقد، بل ولا يغتر بمدح المادح له، وإن كان حقاً، ولسان حاله كما كان يقول الصديق عندما يمدح:"اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون".