17 سبتمبر 2025
تسجيلتؤكد الإحصاءات المرتبطة بموازنة سلطنة عمان للعام 2013 بتعزيز ظاهرة التخلي عن تبني سياسة مالية عامة محافظة. بل تعتبر أرقام السنة المالية الجديدة امتدادا لما تم بدأ العمل به في موازنة 2012 فيما يخص الإيرادات والنفقات على حد سواء. دليلنا على ذلك هو افتراض متوسط سعر قدره 85 دولارا لبرميل النفط في موازنة 2013 مقابل 75 دولارا في 2012. وبالعودة للوراء، تم افتراض متوسط أسعار 58 دولارا و50 دولارا و45 دولارا للبرميل في الأعوام 2011 و2010 و2009 على التوالي وعليه يعد الفرق واضحا. وفي كل الأحوال، يمكن تفهم توجه السلطات بتبني متوسط سعر مرتفع نسبيا بالنظر للحاجة لإفساح المجال أمام معالجة بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد العماني خصوصا البطالة والتي تزيد عن 10 في المائة. بل ترتفع نسب البطالة في أوساط الإناث وفي المناطق البعيدة عن المدن الرئيسة. ويشكل السكان دون سن الخامسة عشرة نحو 43 في المائة من مجموع المواطنين الأمر الذي يضيف للتحدي. وتبلغ قيمة النفقات المخصصة للعام 2013 نحو 33.5 مليار دولار أي الأعلى في تاريخ السلطنة. بالمقارنة، تم إعداد موازنة السنتين الماليتين 2012 و2011 بمصروفات قدرها 2126 مليار دولار و21 مليار دولار على التوالي ما يعد تطورا لافتا. وتمثل النفقات العامة للسنة المالية 2013 أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي وقدره 71 مليار دولار الأمر الذي يعكس الأهمية النسبية الكبيرة للحكومة في الشأن الاقتصادي المحلي. وبنظرة إيجابية فمن شأن رفع مستوى النفقات العامة تشجيع مستثمري القطاع الخاص على تبني خطوات مشابهة بعد عامين على حدوث احتجاجات مطالبة بإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية خصوصا توفير فرص عمل تتناسب وتطلعات المواطن العماني. وكانت السلطات العمانية قد دشنت في وقت ما من العام 2011 مشاريع وبرامج قيمتها 2.6 مليار دولار بهدف تحقيق أمور من قبيل إيجاد آلاف فرص العمل للمواطنين في الدوائر والمؤسسات الحكومية فضلا عن تقديم مساعدة مالية في حدود 400 دولار شهريا للعاطلين الباحثين عن عمل. وتسهم العطايا في تدوير الأموال داخل الاقتصاد المحلي فضلا عن تحقيق أهداف منها إعادة توزيع الثروة بين المواطنين. ولا شك، لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية شاملة دون ضمان تحقيق تنمية بشرية مستدامة بما في ذلك الحق في العيش الكريم والوظيفة المناسبة. ومما يساعد على رفع النفقات حدوثها في ظل شبه غياب لمتغير التضخم. تبلغ نسبة التضخم حوالي 3 في المائة في أسوأ الأحوال. وعليه، فلا يوجد تخوف فعلي من حدوث طفرة للتضخم على خلفية زيادة النفقات العامة. ولا شك، يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد كونه يضر الجميع ولو بنسب متفاوتة. لا ينطبق هذا الكلام بالضرورة على تحدث البطالة. من جهة أخرى، قدرت الحكومة إيرادات السنة المالية 2013 بنحو 29.1 مليار دولار مقارنة مع 22.9 مليار دولار في 2012 نظرا لتبني متوسط سعر أعلى للنفط الخام. وهذا يعني توقع عجز مالي في مقداره 4.4 مليار دولار. حقيقة القول، يعد العجز المتوقع مرتفعا نسبيا كونه يشكل قرابة 6 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. لكن ما يبعث على الاطمئنان عبارة عن إمكانية حصول ارتفاع في مستوى دخل الخزانة بسبب سعر النفط. وتزيد الأسعار السائدة في أسواق النفط الدولية عن 95 دولارا للبرميل مقارنة مع 85 دولارا للبرميل وهو الرقم المعتمد لموازنة 2013. وربما بات مهما رفع مستوى متوسط سعر النفط الخام للتعويض عن محدودية تعزيز الإنتاج النفطي من 928 ألف برميل يوميا في 2012 إلى 930 ألف برميل في 2013. كما تم إعداد موازنة 2011 بمتوسط إنتاج مقداره 878 ألف برميل في 2011. عموما يعكس التطور غير المرحب فرضية توصل مشروع تعزيز إنتاج حقل مخزينة النفطي إلى أعلى مستواه. بالعودة للوراء، حصل تحالف بقيادة شركة أوكسيدنتال في العام 2005 على امتياز لرفع مستوى إنتاج حقل مخزينة من 10 آلاف برميل يوميا الى150 ألفا يوميا في غضون خمس سنوات. ولتحقيق هذا الغرض ألزم التحالف نفسه باستثمار ملياري دولار لتطوير عمليات الإنتاج الأمر الذي خدم اقتصاد السلطنة. ويعد دخل القطاع النفطي بشقيه النفط والغاز حيويا كونه يشكل نحو ثلاثة أرباع دخل الخزانة العامة والتي بدورها توفر التمويل الضروري للنفقات الحكومية والمشهور هو عبارة عن توزع الدخل النفطي ما بين 63 في المائة للنفط و13 في المائة للغاز. بل تتميز عمان من بين بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي مثل قطر بوجود تمثيل نوعي للغاز في الإيرادات العامة. بيد أنه لا يمكن غض البصر عن بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد العماني من قبيل الاعتماد المبالغ فيه على القطاع النفطي فذلك يعد أمرا سلبيا لأنه يجعل الاقتصاد المحلي تحت رحمة التطورات في أسواق النفط الدولية. وتخضع أسعار النفط لمجموعة معقدة من العوامل الاقتصادية والسياسية فضلا عن ميول المتعاملين في هذه التجارة في أسواق المال العالمية. مؤكداً أن الأمر يتطلب الاستفادة من العوائد النفطية لتحقيق هدف إستراتيجي أي تحقيق التنوع الاقتصادي عبر تنفيذ برامج تنموية مثل تعزيز دور قطاع السياحة كون السلطنة تتمنع بإمكانات سياحية ربما غير متوافرة في غالبية الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. كما يتمتع اقتصاد السلطنة بوجود قاعدة صناعية ضخمة فيه كما يتجلى ذلك عبر انتشار مختلف المصانع في المدن الصناعية مثل صحار. ختاما يمكن الزعم بكل أريحية أن الاقتصاد العماني يمر بظروف مناسبة بدليل ارتفاع إيرادات ونفقات الموازنة العامة وبالتالي المساهمة في تحقيق الرفاهية للمواطن والمقيم.