20 سبتمبر 2025
تسجيلساهمت أوراق قوة قطر الناعمة بتميز وفاعلية دبلوماسية الوساطة لحل وحتى انهاء نزاعات، وتقديم مساعدات تنموية، لتخفيف حدة الصراعات. ما يذكّر بحقبة دبلوماسية الكويت الذهبية النشطة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي-ووساطتها في الأزمة الخليجية الأعقد والأطول (2017-2021). سبق وأكدت في مقال سابق-في الشرق- «تميز قوة قطر الناعمة تعزز وساطة حل النزاعات». نشهد اليوم إنجازات ونجاح دولة قطر على عدة أصعدة بمزج أنواع القوة الناعمة في بوتقة مميزة، بلعب دور بناء ومؤثر لحل الأزمات والصراعات. نجحت دولة قطر بمزج قدراتها الدبلوماسية وأمن الطاقة والثقافة، وشبكة الجزيرة، والرياضة-استضافة كأس العالم والتعليم. وتطوير قطاع الغاز لتصبح بين الدول الأكبر المصدّرة للغاز المسال في العالم. وترتبط بعقود طويلة الأمد مع الصين ودول آسيوية وأوروبية في مجموعة العشرين. تثبت سياسة قطر الخارجية خلال العقدين الماضيين صواب موقفها وصواب تخطيط صانع القرار في الدوحة لتحقيق سياسة خارجية نشطة ومتوازنة مكنتها من الانفتاح على الجميع لحل النزاعات. ونجح استثمار قطر طويل الأمد، بجعلها اللاعب الوحيد في المنطقة بعلاقات مع جميع المتصارعين في المنطقة وفي داخل دولهم، في السودان ولبنان واليمن وأفغانستان بكونها الدولة الوحيدة التي ترتبط بعلاقات مع جميع الأطراف المتنازعة، وخاصة بين الأطراف التي لا تقيم علاقات دبلوماسية. طلبت إدارات أمريكية من قطر فتح مكتب لحركة طالبان في الدوحة لإبقاء التواصل بين الولايات المتحدة وحركة طالبان قبل سيطرتها على أفغانستان وبعد انسحاب أمريكا المرتبك في أغسطس 2021. ونتذكر الاجتماع الشهير بين وزير خارجيتها بومبيو مع الملا برادار في الدوحة في إدارة ترامب تحضيراً للانسحاب من أفغانستان. وبعده مع إدارة بايدن لترتيب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. وأجلت قطر بدورها المحوري أكثر من 70 ألف مواطن أمريكي وأفغاني ومواطنين من دول أجنبية. رقّت إدارة بايدن العلاقات الدبلوماسية وصنفت دولة قطر-حليفا رئيسيا من خارج حلف الناتو في يناير 2022 قبل حرب روسيا على أوكرانيا وقدمت نفسها حليفا موثوقا بأمن الطاقة. وتوسطت قطر بطلب من الولايات المتحدة وإيران حول برنامجها النووي، بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، واستضافت الدوحة مفاوضات غير مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران حول البرنامج النووي. وكذلك قادت قطر مفاوضات للتوصل إلى صفقة تبادل محتجزين أمريكيين من أصول إيرانية في إيران ومواطنين إيرانيين في سجون الولايات المتحدة. وتشرف قطر على إنفاق وصرف 6 مليارات دولار للأمور الطبية والغذائية من ودائع إيران المالية التي كانت محتجزة في كوريا الجنوبية. واضح لم يكن بمقدور سوى قطر التوسط بنجاح بين أمريكا وإيران، لحلحلة النزاعات الإقليمية. تجني قطر اليوم ثمار العلاقة المميزة التي نسجتها مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة-خاصة مع حركة حماس التي تدير القطاع منذ فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006، باستضافة قيادات حماس، وتمويل شحنات الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء، ودفع رواتب الموظفين بموافقة الاحتلال الإسرائيلي لإبقاء الوضع المعيشي في غزة ضمن الحد الأدنى المقبول للعيش. ومع تفاقم الحرب الإسرائيلية المسعورة على غزة ل36 يوماً، وارتفاع عدد الشهداء والمفقودين لـ 15 ألفا و30 ألف مصاب، وتفاقم حرب الإبادة وجرائم الحرب والعقاب الجماعي والمجازر الوحشية، تتعاظم أهمية وساطة قطر. واللافت موقف قطر المتقدم: بإدانة جرائم حرب إسرائيل وحرب الإبادة وصنف سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: «عدوان إسرائيل» «بالغاشم وانتهاكها الصارخ للقانون الدولي والإنساني-لا يخدم تحقيق السلام الدائم في المنطقة». واضح هدف وساطة دولة قطر وقف القتال والإبادة الجماعية الصهيونية بهدنة لعدة أيام، وتمرير صفقة إطلاق سراح عدد 240 من المحتجزين المزدوجي الجنسية لدى حماس والجهاد الإسلامي. وأُعلن من بيانات رسمية أكدها الناطق باسم كتائب عزالدين القسام-الجناح العسكري لحركة حماس-أبو عبيدة مقتل 60 من المحتجزين الإسرائيليين ومن جنسيات أخرى. ويتهم الاحتلال بإفشال الخطط ورفض وقف إطلاق النار. ولكن برغم ذلك كله، لا تزال وساطة قطر قائمة لوقف إطلاق النار وحتى بتطبيق هدنة تكتيكية- على وصف نتنياهو في مناطق محددة. وحسب نيويورك تايمز عن مسؤولين إسرائيليين: العمل على التوصل إلى صفقة واسعة بشأن الرهائن، ومستعدون لدفع الثمن». والثمن: إطلاق سراح آلاف السجناء الفلسطينيين بينهم أطفال ونساء مقابل إطلاق سراح الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين والأجانب.. مع إقرار نتنياهو بطول أمد الحرب! وهنا تبرز أهمية ودور وساطة قطر مع حماس والفصائل الفلسطينية في غزة، وجرائم حرب إسرائيل والضغط الشعبي على إدارة الرئيس بايدن، لتساهم بوقف نزيف الحرب وإنجاح صفقة تبادل المحتجزين والأسرى، وخروج الأجانب من غزة عبر معبر رفح. واليوم تعقد القمتان العربية والإسلامية وسط سقف منخفض من التوقعات! المؤسف، في الوقت هناك حاجة لتضافر الجهود لوقف جرائم الحرب، نشهد محاولات الاصطياد بالماء العكر-للنيل من وساطة قطر. عبّر الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء الأسبق عن ذلك بتغريدات «هناك للأسف بعض الجهات من دول قريبة لنا تحاول التحريض على بلادي في السر والعلن سواء عبر لقاءات تحليلية أو بواسطة تحريض جهات خارجية مستغلة الوضع الحالي في غزة. وهذا يدل أن هؤلاء المحرضين لم يتعظوا من الماضي حتى الآن وأن تحريضهم لن يضعف بلادي... وللأسف نجد أن هناك من يحاول النيل من بلادنا بدلا من التركيز على محاولة وقف ما يجري في غزة من فظائع وعدم استغلاله لتكتيكات آنية وللحديث بقية...» لا تستحق وساطة قطر الانتقاص والتشكيك بجهودها بشن حملة اساءة خدمة لأجندة. لكن ذلك لن يثني دور وساطة قطر النشطة لإطفاء النيران المشتعلة حولنا، وكسب مزيد من الثقة من المتنازعين في المنطقة وخارجها.