11 سبتمبر 2025

تسجيل

«واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»

12 نوفمبر 2023

امتن الله على أمة الإسلام بعقيدة جمعت قلوب منتسبيها في جسد واحد، وقد كانت آخر وصايا النبي صلى الله عليهم وسلم تذكيرهم بذلك حين قال في خطبة الوداع (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام؛ كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذ) فالدم واحد وإن تعددت أجناسهم ما دام الإسلام سكن قلوبهم. إن الأخوة الإسلامية مفضية إلى وجوب الاعتصام بحبل الله، وتلك نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده، وقد امتن عليهم بها: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ذكرهم كيف كانوا في الجاهلية «أعداء» فألف بين قلوب هذين الحيين من العرب بالإسلام -الأوس والخزرج- وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخواناً. لذا لا نعجب حين نقرأ في التاريخ أن سعد بن الربيع حين آخي النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف؛ يقول له: أنا من أكثر أهل المدينة مالاً، فاقسم مالي نصفين وخذ نصفه، ولي زوجتان، فانظر أعجبهما إليك فسمِّها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها. لا نعجب حين نرى مصعب بن عمير رضي الله عنه يمر برجل من الأنصار وهو يأسر أخاه أبا عزيز، فقال له: شد وثاقه فإن أمه ذات مال، فقال أخوه: أهذه وصاتك بي وأنت أخي؟ فقال مصعب: إن هذا الأنصاري أخي دونك. وإذا تركنا الجيل الراشد وذهبنا إلى هناك حيث الأندلس، وقد حاصر النصارى المعتمد ابن عباد، وأخذ يفكر بمن يستنجد؟! فأَمْلَتْ عليه عقيدته وانتماؤه أن يستنجد بيوسف بن تاشفين رغم العداوة بينهما، وقال مقولته المشهورة: «رعي الجمال أحب إليَّ من رعي الخنازير». والأمثلة ضاربة بعمق في التاريخ، مخبرة بأن الانتماء إلى الإسلام يجعل من صاحبه أخا للمسلمين جميعا، أخوة تفوق أخوة النسب والقرابة. هكذا أرادها القرآن حين قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ). الولاية الحقة في التصور العقدي يكون للإسلام، والنصرة الحقة تكون لهم، ولذا كان لخذلان المسلم أخاه عقوبة عظيمة الشأن، يصلاها في الدنيا قبل الآخرة (جَزَاءً وِفَاقًا) قال صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل مسلما عند موطن تُنتهك فيه حرمته ويُنتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلمًا في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته». واليوم ونحن نرى تلك الفجائع المروعة لأهلنا المظلومين المستضعفين لابد أن نتذكر جيدا أن الاعتصام اليوم هو جسر النجاة، لابد أن تنحى كل الخلافات والأيدولوجيات والحسابات الشخصية نصرة لأهلنا الذين قاموا بواجبهم تجاه عقيدتهم وأرضهم ومقدساتهم. إننا في امتحان اليوم شديد الصعوبة، فإما نصرهم أو خذلانهم، والجزاء من جنس العمل. نصرتهم اليوم بالدعاء والإعانة المادية والمقاطعة المتعينة ونشر قضيتهم؛ واجب على كل مسلم تجاههم، وكل مسؤول يوم القيامة عن ذلك. فاللهم انصرهم وانصر من نصرهم، وأعنهم ولا تعن عليهم يا رب العالمين.