17 سبتمبر 2025
تسجيلالعالم كله يشاهد جريمة ضد الإنسانية يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي باستخدام الأسلحة الأمريكية. فآلاف الأطنان من المتفجرات تنهال على رؤوس الأطفال والنساء دون رحمة على شاشات التليفزيون، وتشاهد الجماهير أشلاء الأطفال الممزقة يتم إخراجها من تحت ركام المنازل التي دمرتها الطائرات الإسرائيلية دون أن تتمعر وجوه حكام الدول غضبا للإنسانية التي طالما ألقوا علينا الدروس بضرورة احترامها، ودون أن يتذكر أحد القانون الدولي الإنساني. أما خطاب قادة دولة الاحتلال فهو يعبر عن الغرور والعلو والاستكبار، والتفرقة العنصرية التي تتجلى في احتقارهم للعرب جميعا، الذين يستخدم حكامهم خطابا ضعيفا يتناسب مع خوفهم وخنوعهم ووهنهم. لذلك يطالب قادة العدو أهل غزة بالتوجه جنوبا تمهيدا لتهجيرهم قسريا إلى مصر؛ حتى يتمكن جيش الاحتلال من القضاء على حماس؛ كأن ذلك يشكل هدفا مشروعا لهم، تؤيدهم في تحقيقه أمريكا وأوروبا. والمشهد كله يشكل صدمة لكل ضمير حر، وامتحانا عسيرا رسبت فيه أوروبا التي تدعي التنوير والحضارة، فهي تؤيد الظلم الذي يتعرض له شعب فلسطين، وتنحاز للاحتلال الاسرائيلي الظالم الذي يرتكب جريمة إبادة وتطهيرا عرقيا للفلسطينيين. لذلك كشف العدوان الاسرائيلي على غزة الوجه العنصري الاستعماري لأوروبا، وكشف حقيقة ديمقراطيتها وشعاراتها الزائفة. أما المظاهرات التي خرجت في أوروبا تؤيد المقاومة الفلسطينية، وترفض العدوان الاسرائيلي ؛ فقد شارك فيها الأحرار الذين أرادوا الدفاع عن صورة أوروبا كما يحتفظون بها في خيالهم، ويرون أن الحكومات الأوروبية تجلب لهم العار بتأييدها للعدوان الاسرائيلي، وهم يثورون ضد عملية التجهيل والتضليل التي تقوم بها وسائل الاعلام الغربية. الأحرار الذين نجحوا في امتحان الانسانية والحضارة هم من انتفضوا وثاروا ضد تحيز أوروبا للاحتلال الاسرائيلي، وهم يريدون أن يحموا الحضارة الغربية من السقوط، فالظلم مؤذن بخراب العمران، ومن يسكت اليوم عن تدمير جيش الاحتلال الاسرائيلي لبيوت غزة فوق رؤوس سكانها ؛ فلينتظر حتما الصواعق والكوارث التي ستحل بهذا العالم، وتدمر الحضارة الانسانية. الذين خرجوا في المظاهرات في العواصم الأوروبية يدركون نهاية الامبراطورية الرومانية، وكيف انهارت وهي تملك قوة صلبة أكبر بكثير مما تملكه أوروبا وأمريكا، وأن غرور القوة من أهم أسباب السقوط والانهيار والدمار. وهؤلاء الذين خرجوا في المظاهرات يرفضون العدوان الاسرائيلي، حصلوا لأنفسهم على شرف رفض الظلم، ومجد الدفاع عن الحضارة الانسانية ؛ أما الذين صمتوا وخافوا وخنعوا فليس لهم سوى العار والسقوط. أما أمريكا فقد كشف العدوان الاسرائيلي وجهها القبيح، وانحيازها الظالم لدولة الاحتلال الاسرائيلي، فحركت أساطيلها في البحار لتشارك في العدوان بالرغم من رفض الملايين من شعبها. والذين خرجوا في المظاهرات في أمريكا هم الذين مازالوا يملكون ضمائر حية ترفض القتل والدمار والجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي. ومع ذلك هناك مؤشرات على أن رفض العدوان يتزايد في كل دول العالم، وأن هناك امكانيات لتشكيل رأي عام عالمي ضد الجرائم الاسرائيلية، وأن الشعوب تحتاج إلى وسائل اعلامية تكشف الحقائق، وتنقل المشهد، وتصور الحدث. وتشكيل هذا الرأي العام العالمي انتصار للمقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حق شعبها المشروع في تحرير أرضه، فالكثير من أصحاب الضمائر الحية أصبحوا يدركون الآن أنها حركة تحرر وطني تقاتل دفاعا عن الحرية ضد احتلال غاصب. ولو أن العرب يمتلكون قوة اعلامية تغطي الحدث، وتكشف الحقائق ؛ فإن عدد الذين يمكن أن ينحازوا للحق والعدل يمكن أن يتزايد، ويمكن أن يتحول الرأي العام العالمي إلى قوة تفرض ارادتها، وترغم دولة الاحتلال الاسرائيلي على وقف عدوانها على غزة، والانسحاب إلى حدود عام 1967، لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وضمان حق العودة للفلسطينيين إلى أرضهم وبيوتهم. بذلك يمكن أن ينجح أحرار العالم في الامتحان، ويتمكنوا من حماية الحضارة الانسانية، فالغرور الاسرائيلي الغربي سوف يدمر هذه الحضارة، ونيران الحرب اشتعلت، ولن يتمكن أحد من اطفائها.