14 سبتمبر 2025
تسجيلما حدث في صباح يوم السابع من أكتوبر، مفاجأة مدوية لم يكن يتوقعها أحد على الإطلاق حتى أكثر الناس تفاؤلاً. والمفاجأة لا تكمن في هجوم المقاومة المسلحة حماس في حد ذاته، إذ هذا كان متوقعا من حركة مقاومة تقاوم احتلالا غاشما.. بل في طبيعة وتكتيك وحجم وتداعيات الهجوم. فعملية طوفان الأقصى هي بحق زلزال مدو لإسرائيل. فحماس تلك المنظمة العسكرية التي لا تمتلك أعداد وقدرات القوات النظامية، قد باغتت إسرائيل صباح يوم السابع من أكتوبر براً وبحراً وجواً، ونجحت في اختراق حدود إسرائيل، وقهر القبة الحديدية، والتغلغل إلى المستوطنات في غلاف غزة وأسر أكثر من 100 إسرائيلي بينهم مجندون، وقتل ما يناهز 3 آلاف. وبالتالي، في تقديرنا، تعد عملية طوفان الأقصى أقسى هزيمة لإسرائيل في تاريخها. إذ تختلف عملية طوفان الأقصى عن جميع الحروب النظامية وغير النظامية مع إسرائيل. في نجاح منظمة وليس جيشا نظاميا، من اختراق إسرائيل بسهولة، وأسر عدد كبير من الإسرائيليين بسهولة أيضا، فضلا عن عدد القتلى الذي يقارب عدد قتلى إسرائيل في حروبها مع منظمات المقاومة منذ التسعينيات. ولعل أهم من هذا وذاك، أن طوفان الأقصى، قد حطم أساطير متوترة عن إسرائيل، طالما روجت لها إسرائيل في سياق حربها النفسية مع العرب، وللأسف قد صدقناها. حيث حطمت أسطورة حدود إسرائيل المنيعة التي لا يمكن اختراقها المجهزة بأخطر تقنيات الرصد والمراقبة، وأسطورة الجيش الذي لا يمكن أن يقهر من منظمة غير نظامية، وأسطورة القبة الحديدية التي من المستحيل أن تسمح بمرور صاروخ عابر للقارات وليس صاروخا متوسط المدى بالمساس بتل أبيب، حيث أمطرت صواريخ حماس تل أبيب ومعظم مدن إسرائيل بعشرات الصواريخ. وأخيراً، أسطورة العبقرية والنفاذ الخارقة للاستخبارات الإسرائيلية. ومن البديهي بعد استعراض العبر، طرح السؤال الرئيسي، ما هي دوافع حماس من العملية؟ قد كتب سيل من التحليلات والآراء حول دوافع حماس من العملية. ومع احترامنا الشديد لتلك الآراء، التي بعض منها وجيه. نرى أن دوافع حماس لا تحتاج إلى بحث معمق لسبر أغوار تخمينات وتكهنات تخرج الأصل عن سياقه. حماس حركة مقاومة ضد كيان احتلال ولها ثوابت وأهداف رئيسية وراسخة. وبالتالي فالعملية في حد ذاتها غير مفاجئة، بل المفاجأة هي التطور الكبير النوعي في تكتيك وأسلوب حماس العسكري. ومن الآراء التي نقدرها، شعور حماس ومعها جميع حركات المقاومة أن وضع القضية يزداد سوءاً بالتوازي مع تصاعد قوة اليمين المتطرف في إسرائيل، تحريك قضية الأسرى، وتقويض موجة التطبيع المتصاعدة في المنطقة. التداعيات : بالنظر أن عملية طوفان الأقصى، عملية استثنائية للغاية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أو إسرائيل، أو المقاومة الفلسطينية...قل ما شئت. فإن تداعياتها أيضا ستكون استثنائية ومتعددة. وثمة بعض التداعيات المؤكدة وأخرى محتملة بنسبة كبيرة. التداعيات المؤكدة، ونذكر أهمها: - طوفان داخلي مواز داخل إسرائيل يطال كافة المستويات، لاسيما السياسية والعسكرية. فمن المؤكد بعد أن هز طوفان الأقصى كرامة ومصداقية وصورة إسرائيل السياسية والعسكرية، أن تقوم إسرائيل بمراجعة شاملة على مستوى التخطيط العسكري سيشمل محاسبة النخب العسكرية الحالية حسابا عسيرا، والإطاحة بهم، والدفع بنخب جديدة. وعلى المستوى السياسي، فقدان ائتلافات اليمين التي تحكم إسرائيل لعقود المصداقية الشعبية، وعلى الأرجح القضاء على أسطورة نتنياهو للأبد. - عودة الزخم الإقليمي والدولي بالقضية الفلسطينية. وتعد تلك المسالة-في تقديرنا- أبرز إيجابيات طوفان الأقصى على الإطلاق. منذ اندلاع ما تسمى انتفاضات الربيع العربي في 2011، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية على الأجندتين الإقليمية والدولية إلى مستوى متدن للغاية. وفي خضم موجات التطبيع في المنطقة، تعمق هذا التراجع، حتى بدا أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية العرب الأولى. لاسيما في ظل أحاديث وتسريبات عن تسوية هزيلة للغاية للقضية مقابل التطبيع. والمفارقة التي سنشهدها خلال الأسابيع القادمة الناجمة عن طوفان الأقصى، هو التصعيد المتطرف العنيف من إسرائيل ضد قطاع غزة جنبا إلى جنب مع تسابق المساعي والمبادرات لاسيما من جانب الغرب للتهدئة وعودة المسار التفاوضي والسياسي أو السلمي. فالعقلاء لاسيما من أصدقاء إسرائيل، باتوا على قناعة راسخة أن النهج العنيف والتهميش المطلق للقضية، واستمرار انتهاك حقوق الفلسطينيين ومقدساتهم؛ لن يجعل إسرائيل في مأمن، ويجب أن يعاد المسار التفاوضي من جديد وبشكل أكثر جدية مما سبق. - تقويض مساعي إسرائيل في استقطاب يهود الشتات إلى إسرائيل، بل ستشهد إسرائيل موجة هروب لآلاف اليهود الذين يحملون جنسيات أخرى. - تقويض موجة التطبيع في المنطقة، فبعد طوفان الأقصى من الصعب أن يسير التطبيع بنفس الوتيرة السريعة السابقة.