12 سبتمبر 2025

تسجيل

حائط المبكى العربي

12 أكتوبر 2016

استعار العرب نسق المظلومية الديني لنظامهم القومي منذ سقوط الأندلس، ببكائيات أبي البقاء الرندي وغيره، وارتداء العقال الأسود، قبل أن يتوالى مسلسل السقوط، وتنحسر خريطة "من الصين شرقًا حتى الأندلس غربًا". تطابق الوجعان؛ الشعار والمكان والنشيد واللون، الرموز والعلامات ذاتها، وشعور العجز في مواجهة القوّة، والاستلاب. ولم تعد غير مقولة "ابكِ مثل النساء" نصيحة أم الملك، سلوكًا مستجابًا في حواضر "العدوة الدنيا". سقطت الأندلس، وقبلها سقطت حواضر مشرقية تحت سنابك خيل المغول، وغاب خليفة بغداد، وتعاقبت على المشهد ممالك وشعوب وإمبراطوريات، طوت فيها مفهوم العروبة المتماهي بالإسلام إلى حين، حتى أطلّ عصر القوميّات مع صعود البرجوازية في أوروبا الناهضة، التي أشرقت منها شمس الحداثة. وكانت الإشارة التي التقطها مسيحيّو الشرق، ليوقظوا الحالة الأموية-الأندلسية، الحالة التي تعاظمت في تيارات فكرية، وأحزاب، وأنظمة حكم في غير بلدٍ عربيّ، أنجزت شعارها وحدودها "من المحيط إلى الخليج" وأناشيدها وفرسانها.واستطاعت، تقريبًا، تسويق مظلوميتها، التي أسهمت في تأهيل الحزن العربي، في معابد الحداثة: "المسرح - الجريدة - المدرسة - الإذاعة والتلفزيون"، وذلك بعد احتلال فلسطين، ثمّ سقوط القدس في عام 1967، إذ أدّى الجرح الناشئ في الحلم الغضّ إلى كربلاء جديدة، حاضرة العلامات والرموز. ولعلّ وجود مواهب "ندب" عظيمة أوصل المظلومية القومية إلى رتبة المثال؛ فقد نجح السوري نزار قباني الآتي من "ليالي الأنس" في الغزل النسوي، والعراقي مظفر النوّاب الآتي من جنوب العراق المنغمس في تهجئة ثورة اليسار العربي في إحدى تداعياتها، ونجح الشاعران في تحوّلهما إلى "ندّابتين" دخلتا المطبخ الشعري (التعبير للناقد السعودي عبد الله الغذامي) ورسمتا معًا أيقونة المظلومية الجديدة، في بكائيات حادّة، مؤثّرة.