11 سبتمبر 2025

تسجيل

تحديات البريكس العظمى

12 سبتمبر 2023

تأسست مجموعة البريكس سنة 2009 وكان إعلان تأسيسها من قبل مؤسسيها الأربع آنذاك «الصين، الهند، روسيا، البرازيل» واضحاً تماماً وهو تأسيس نظام دولي متعدد وكسر الهيمنة الأحادية الأمريكية على النظام السياسي والاقتصادي العالمي من أجل تحقيق قدر أعلى من العدالة والتوازن في العالم. وفى القمة الأخيرة للمجموعة أغسطس 2023 التي انعقدت في جنوب أفريقيا، تم الإعلان عن الحدث الأهم منذ تأسيس المجموعة وهو ضم خمسة أعضاء جدد وهى «السعودية، إثيوبيا، مصر، الأرجنتين، الإمارات، إيران». وبهذا الضم أصبحت المجموعة أكبر تجمع اقتصادي عالمي معبر عن الكتلة الجنوبية أو الشرقية في النظام الدولي. عند الحديث عن البريكس ومستقبلها، واجب الإشارة إلى أمر هام رئيسي يمثل المنطلق الرئيسي لتحديات البريكس، ويكمن في ضرورة التمييز ما بين أهداف الصين على حده من البريكس، وما بين أهداف باقي أعضائها بما في ذلك المنضمون حديثا. وبلا أية مواربة تتحد كل أعضاء البريكس على ضرورة تأسيس نظام دولي متعدد يكسر الهيمنة الغربية على العالم، بل إن كينونة الأعضاء الخمس المنضمين حديثا للمجموعة تعكس بجلاء رؤيتهم الثاقبة بشأن التغيرات الكبرى التي تحدث في العالم لاسيما التراجع الملفت للقوة الأمريكية والصعود الكبير للقوة الآسيوية. بينما تتمايز أهداف الصين من البريكس، حيث تعول الصين على المجموعة كأداة رئيسية لمجابهة الولايات المتحدة، وتعزيز موقعها كقائد للنظام العالمي الجديد. لذا، تعد الصين أكثر أعضاء المجموعة تحمساً لضم أعضاء جدد، لتشكيل جبهة موسعة مجابهة لتحالفات واشنطن الدولية، فالأعضاء الخمس الجدد للمجموعة كان بعضهم محل اعتراض من جانب الهند والبرازيل، وتم ضمهم بفضل ضغوط صينية. وتأسيسا على ذلك، يمكن التمييز بين تحديين رئيسين يواجهان مستقبل البريكس. الأول هو قدرة البريكس على التحول إلى أداة صينية لمجابهة الولايات المتحدة في ظل القيادة الصينية الفعلية للمجموعة. تتفق أعضاء المجموعة على أهمية كسر الهيمنة الأمريكية المطلقة والتوجه نحو التعددية، لكنها بلا أدنى شك غير راغبة في تحويل المجموعة إلى أداة صينية بالوكالة لمحاربة واشنطن. وقد سبق وألمح بعض قادة البريكس لذلك. لكن الأهم، أن اثنين من أهم قادة المجموعة (الهند والبرازيل) هم حلفاء وثيقون لواشنطن، هذا بخلاف بعض الأعضاء الجدد. ولكى تتحول المجموعة إلى أداة صينية تماما، وهو سيناريو مستبعد، يجب أن تتغلب على بعض التحديات، أهمها على الإطلاق إخضاع الهند للهيمنة الصينية. إذ يعد الصراع الهندي الصيني العتيد واحدا من أكبر تحديات البريكس عموما. ومن المفارقات الغريبة جدا في العلاقات الدولية أن يجتمع في تحالف قوتين متنافستين شبه متكافئتين يجمع بينهما عدد لا يحصى من التناقضات والخلافات. وهذا الصراع لا يحول فقط دون هيمنة صينية مطلقة على المجموعة، بل يهدد استمرار وتوسع المجموعة أيضا. وإلى جانب ذلك، فمن الصعب أيضا إخضاع البرازيل وعدد من أعضاء المجموعة للهيمنة الصينية التامة، أو الضغط على توجهاتهم وسياستهم باتجاه المدار الصيني أو إحداث تنافر مع واشنطن. أما التحدي الثاني وهو الأهم، فيكمن في قدرة البريكس على كسر الهيمنة الغربية لاسيما الاقتصادية في النظام الدولي. وحقيقة الأمر أن وجود البريكس سيما بعد عملية توسعه الأخيرة سيحدث قدر كبير من التوازن، ويحد نوعا ما الهيمنة الغربية. ومع ذلك، أمام البريكس الكثير من التحديات والعقبات السياسية والاقتصادية لكسر الهيمنة الغربية تماما. فلكى يتحول إلى تكتل صلب بإمكانه تحدى المؤسسات الغربية، يحتاج البريكس إلى توافق تام بين أعضائه، لاسيما فيما يتعلق بالمصالح الاقتصادية. لكن بخلاف تضارب المصالح والرؤى والتوجهات بين أعضائه، ترتبط بعض دول البريكس ارتباطا وثيقا بالغرب ومؤسساته، ويصعب عليها فك هذا الارتباط. فالاتحاد الأوروبي أكبر تجمع مؤسسي في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان قوام تأسيسه الرئيسي الهوية الدينية المشتركة وتوحد الرؤى والمصالح السياسية والاقتصادية بين أعضائه. علاوة على ذلك، لا تتمتع دول البريكس عدا دول قليلة على رأسها الصين، بالقوة الاقتصادية الكافية لدفع التجمع خطوات أوسع لتحدى المؤسسات الغربية. فدول البريكس لاسيما بعض المنضمة حديثاً، والعديد الراغب في الانضمام، تهرول تجاه البريكس أملا في تحسين وضعها الاقتصادي المنهار خاصة عبر الاستحواذ على أكبر قدر من القروض. حيث تهرول في الجانب المقابل الغربي في الوقت عينه لنفس الغرض. والضربة القاضية للهيمنة الغربية تتأتى أو تتلخص في القدرة على كسر هيمنة الدولار الأمريكي، إذ اكثر من 80% من التجارة والتسويات الدولية مقيمة بالدولار. فضلا عن أن استمرار هيمنة الدولار هو السند الرئيسي لاستمرار الهيمنة الأمريكية. وتتحدث دول البريكس عن عزمها تأسيس عملة موحدة، ووفقا لتقديرات أكبر المراكز الاقتصادية في العالم، يعد هذا المسعى ضربا من المستحيل. فتأسيس عملة موحدة عملية غاية التعقيد، ويجب أن يسبقها سلسلة من العمليات والإجراءات الاقتصادية الطويلة والمعقدة أيضا. فالاتحاد الأوروبي قد أسس عملته الموحدة بعض قرابة 3 عقود من تأسيس الاتحاد، ولم تنضم لها عدة اقتصادات قوية أوروبية. وحالة البريكس أشد تعقيدا من حالة الاتحاد الأوروبي، وذلك من حيث اختلالات هيكلية اقتصادية واسعة بين أعضائه، خلافات سياسية ومصلحية عميقة. ملخص القول، يعد البريكس خطوة متقدمة على صعيد منظومة التحالفات الدولية من شأنها تسهيل التعاملات التجارية بين أعضائه، وبشكل أكثر وضوحا سوق واسع يخدم الصين في المقام الأول. ومن شأنه أيضا الحد نسبيا من الهيمنة الغربية. ومع ذلك، لايزال أمامه الكثير من التحديات العسيرة لكسر الهينة الغربية التامة وترسيخ نظام دولى تعددي حقيقي.