12 سبتمبر 2025

تسجيل

الأبواب المُغلقة !

12 سبتمبر 2023

جميلٌ أن يعوّد الإنسان نفسه على أن يتعامل مع الحياة بمنظورها الواسع، الذي لا يخلو من لطف الله وكرمه، وتسخيره وعوضه. فيعلم أن الحياة أكثر اتساعاً ومرونة مما قد يُخيّل إليه، وأنه ما انغلق بابٌ إلا فُتحت مقابله أبواب إن أراد أن يُبصر. وهذا الإدراك ليس ترفاً معرفياً، ولا رفاهيةً شعورّية من قبيل النظرة الإيجابية أو جبر الخواطر، وهدهدة الهواجس، أو مما قد يعدّه المرء شفقةً ومواساةً لروحه المُتعبة فحسب، بل لأن هذه هي حقيقة الحياة وقوانين الله في الأرض، فالتعامل مع الحياة بمحدودية فهمك المجتزأ سينعكس حقيقةً على شعورك ومسلكك وبالتالي على النتائج التي ستحصل عليها من الرضا والسعادة والطمأنينة وراحة البال. فما أصعب أن تضل طارقاً لا تفتأ على الأبواب المغلقة، واقفاً لا تبرح تتباكى على الأطلال التي لا تُسمن ولا تُغني من جوعٍ، وتغفل عن حياةٍ كاملة مُشرّعة لك أحضانها تنتظرك في الجهة الأخرى ! وما أجمل أن نعي أنه قد يُقيّض الله لك من المنابع والمشارب من حيث لا تحتسب ما يُغنيك ويسُد حاجتك، بل ويفيض عليك من فضله.. أنتَ الذي كنتَ تنتظرها من مشربٍ واحد أو منابع مُعيّنة! فلربما سخّر لك من الناس من يحتفل بنجاحك، ويدعم انتصاراتك، ويسعد بارتقائك حينما كنت تنتظرها من قريبٍ أو صديق ! ولعلّه بعث في نفسكَ طمأنينة الحنوّ، ورأفة الأم، وشفقة الوالد.. ممن لا تعرفهم ولا يعرفونك، حينما كان قلبك يعتصر ألماً بفقد والديك أو قسوتهما ! وعساه قد سبّب لك الأسباب.. فشّد عضدك بأخٍ لم تلده لك أمك، تُشدد به من أزرك، وتُشركه في أمرك، أنت الذي كنت تنتظره من شقيقٍ أو قريب ! فلرُّبَ الأبواب التي طرقتها ولم تُفتح، والأشجار التي بذرتها ولم تُثمر، والآبار التي استسقيتها ولم تنضح هي كالأرض البوار.. لا زرع فيها ولا ثمر.. ضُربت بسورٍ يحول بينها وبينك ! فلا تغفل حينها عن دروب الله اللامتناهية، وأبوابه المفتوحة لك من حيث لا تحتسب، وادلف منها إلى جنّة قلبك، ورواء روحك، وطمأنينة نفسك.. فرّب القلوب لا يضّل ولا ينسى فـ (ما أغلق باباً بحكمته، إلا فتح لكَ بابين برحمته). لحظة إدراك: لا تكتمل سعادتك إلا إن أدركت أن لله تدابير تُجبر وتعوّض وتحتضن ضعفك وانكسارك، وترحم نقصك وحاجتك. ولا يتم رضاك إلا إن وعيت بأنك في أيدٍ أمينة تُدبر لك أفضل التدابير، وتتنبه إلى الدروب التي تُمهد لك، وتفلت ما انغلق، وتترك ما لم يُهيأ لك وإن كنت تظن أنه دربك الأصلح، وطريقك الأنسب ! لترى أنك في عنايته مجبور الخاطر دائماً، معك من يعوّضك ويواسيك ويبدلك خيراً مما فقدت.