11 سبتمبر 2025
تسجيلمر بنا في المقال الفائت أهمية الإيجابية عند المسلم وذكرنا بعض النماذج التطبيقية من القرآن الكريم عليها، واليوم نكمل وأمام أعيننا أحاديث لا ينبغي أبدا أن نغفلها ونحن نتحدث عن الإيجابية : الحديث الأول ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها" لم يسأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن جدوى زراعة نخل وهم على وشك الموت، لم يسأل أحد رسول الله عن الفائدة من زراعة شيء لا ينتفع به الناس إذا قامت الساعة، لأن الإيجابية أصبحت أساسا ثابتا في بنيانهم الفكري والعقدي . وأما الحديث الآخر فهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا ! فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا، وهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" هذه هي الدوافع الشرعية التأصيلية التي يجب أن يستصحبها المسلم في حياته العملية . وقد ذكرنا أربعة أمثلة من القصص القرآني تتأصل فيها المعاني الإيجابية بصورة واضحة جلية: المثال الأول والثاني كان عن البشر : مؤمن سورة يس، وكذلك مؤمن آل فرعون، والمثال الثالث والرابع كان عن نملة وهدهد، وهذا التناغم القصصي بين الإنس والطير يظهر جليا أن الإيجابية لا جنس لها، فهي كالغيث حيث حلت نفعت . واخترنا أن نسلط الضوء على هدهد نبي الله سليمان لنتعرف على بعض الصفات الأساسية للشخص الإيجابي، وذكرنا ثلاث صفات في الشخصية الإيجابية من خلال قصة الهدهد . الصفة الرابعة: الحزم والحسم: لما علم النبي القائد أن خللا طرأ على نظامه لم يجامل ولم يهادن، ولم يتغافل أو يتكاسل بل قال مهددا الهدهد وكل من تسول له نفسه خرق قوانين وضعها وأسسها: " لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ " فقد هدد بعقاب الهدهد. الصفة الخامسة: العدل أساس الملك: لم يقم النبي القائد الحكم دون أن يسمع من المحكوم عليه علة غيابه، بل وأنصت له تماما ومنحه الفرصة كاملة للدفاع عن نفسه. الصفة السادسة: التربية على التغيير: كان من الممكن أن يكون الهدهد موظفا عاديا يثبت حضوره، ويثبت انصرافه، مثل أكثر الموظفين، لكن الهدهد لم يفعل ذلك، فحين رأى قومًا يعبدون الشمس في اليمن، بمملكة سبأ، تعامل بإيجابية المؤمن الإيجابي، ومع أنه كان في فلسطين وبينه وبين الحدث مسافة طويلة، ويعلم أنه قطعا سيتخلف عن موعد الطابور مع الملك إلا أن كل ذلك لم يمنعه من الاجتهاد لتغيير واقع لا يرضاه، ذلك أنه يعتقد أنه صاحب رسالة، وليس صاحب وظيفة. الصفة الثامنة: التضحية والفداء: حين عاد الهدهد أعلمته الطيور فور عودته بالعقاب الذي ينتظره من النبي القائد سليمان -عليه السلام- لكنه يعلم أن صاحب الرسالة لا بد أن يضحي وهو يتوقع تحمل الأذى، فمكث غير بعيد عن سليمان؛ لأن الإيجابية تزرع الشجاعة، وثقة بالنفس.وقال بلسان المؤمن المحتسب:"... أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ". هذه بعض الإشارات السريعة نسأل الله أن ينفع بها القائل والقارئ، وأن يبارك في أمتنا وأن يحفظ علينا أمننا وأن يرزقنا الإيجابية في التعامل الحياتي.