27 أكتوبر 2025
تسجيلفي حوار معه، يقول الكاتب السعودي أحمد أبو دهمان، الذي أصدرت له دار جاليمار الفرنسية الكبيرة، رواية وحيدة بعنوان: الحزام، منذ أكثر من عشر سنوات، كتبها بالفرنسية عن قريته، وترجمتها دار الساقي إلى العربية، إنه حصل على راتب تقاعدي من الدار، ونسبة أرباح كبيرة، خلافا ما كان سيحدث في الوطن العربي، لو أن الرواية كتبت عربيا أولا. لقد أراد أبو دهمان أن يبين الفرق بين النشر في الغرب والنشر في الشرق، من ناحية الانتشار أولا، ومن ناحية صيانة الحقوق ثانيا، وهو أمر صحيح بلا شك، لكن ليس دائما بهذه الطريقة. فالغرب له قوانينه الصارمة فعلا، وله نظرة ثابتة للثقافة وجهد الفرد، كما أن عدد القراء هناك، وبأي لغة أوربية، يفوق عدد القراء في كل الأقطار العربية مجتمعة، الفرق هنا، هو أن جاليمار ليست أي دار أوربية، فهي مؤسسة عريقة لها موازنات ضخمة، ويعتبر محظوظا من تنشر له كتابا، وتوجد مؤسسات أخرى مشابهة لها مثل لي سوي الفرنسية، وبنجوين وراندوم هاوس الأمريكيتين، ومندادوري الإيطالية مثلا. هذه أيضا دور عريقة ويمكن أن تمنح كتابها امتيازات خاصة مثلما حدث مع الكاتب السعودي في تعامله مع جاليمار. وأذكر أن زميلنا الكاتب السعودي يوسف المحيميد قد نشرت له بنجوين الضخمة روايتة فخاخ الرائحة، وأيضا كانت فرصة كبيرة، أن تنتشر روايته في الغرب، وتحظى بقراء جيدين. هذا الموضع يقودني إلى الحديث عن مستقبل الأدب العربي عموما، حين يترجم إلى لغة غربية، فليس الأمر دائما ورديا، خاصة أن ثمة نظرة خاطئة مستفحلة هناك، هي أن الأدب العربي ليس بتطور الآداب الأخرى، مثل اللاتينية، واليابانية، وحتى الصينية، وتلك القادمة من بلاد آسيوية أخرى، ولم يحدث أن حدث اهتمام كبير بآدابنا، حتى بعد أن حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل الكفيلة بلفت الأنظار، وبعد أن خصص معرض فرانكفورت الدولي إحدى دوراته للأدب العربي، والذي يحدث هو مجهودات فردية من مترجمين منبهرين بالأدب العربي، ودور نشر إما صغيرة أو متوسطة، تقوم بنشر الأدب العربي المترجم، وللأسف، بعد أن حدثت أزمات إقتصادية في كثير من الدول، اضطرت دور كثيرة أن تغلق أبوابها، أو تذوب في دور كبرى، وهكذا لم يبق للأدب العربي أي باب، يمكنه من الدخول إلى القارئ الآخر. شخصيا تعاملت مع الفرنسيين وغيرهم، وأعرف زملاء تعاملوا أيضا مع كثير من الدول الغربية، في نشر إبداعهم مترجما، ولم تكن الامتيازات كما ذكرها أبو دهمان، هي مجرد نافذة معنوية، أطللنا عبرها، واكتسبنا قارئا آخر، وهبنا كثيرا من التشجيع. منذ فترة قصيرة، أقامت لي دار نشر نوتاتنبو الإيطالية، حفلا جيدا في روما، بمناسبة صدور النسخة الإيطالية من روايتي صائد اليرقات، ذهبت إلى ذلك الاحتفال، وكان كما توقعته، عثرت على عدد كبير من المهتمين بالأدب العربي عامة والأفريقي خاصة، كلهم قرأوا وجاءوا للتحاور، لكن لا مكاسب مادية، ولا تحقيق لأي حلم وردي آخر. رأيي، لكي نحافظ على معنوياتنا مرتفعة، فلنظل كتابا عربا فقط، نكتب لقارئنا الأصلي، وإن جاءت الترجمة، فلتجيئ، ولكن بلا أي أحلام إضافية.