03 نوفمبر 2025
تسجيليمر الاقتصاد العماني بظروف اقتصادية مثيرة وفي المجموع إيجابية في هذه الفترة بدليل شهادة مؤسسات الائتمان الدولية. تشمل الأدلة الأخرى على سلامة الأوضاع الاقتصادية تسجيل فائض ضخم خلال النصف الأول من السنة المالية 2012 فضلا عن تحقيق نسبة نمو ملفتة في الربع الأول من العام الجاري. فحسب إحصاءات رسمية تم الكشف عنها حديثا بلغت قيمة إيرادات الخزانة العامة نحو 19.1 مليار دولار في النصف الأول من السنة المالية 2012 مقارنة مع 14.1 مليار دولار في الفترة نفسها من 2011. وفي الوقت نفسه بلغ حجم النفقات العامة قرابة 20 مليار دولار في الفترة المشار إليها أي تقريبا ضعف ما كان عليه الحال في النصف الأول من 2011. مؤكداً يمكن اعتبار هذه الأرقام مؤشرا لما قد سيكون عليه وضع المالية العامة في نهاية السنة. وكانت الحكومة قد أعدت ميزانية 2011 بنفقات وإيرادات قدرها 26 مليار دولار و22.9 مليار دولار على التوالي. وعليه تم تقدير عجز مالي يفوق قليلا 3 مليارات دولار للسنة المالية برمتها. ويعود الأمر بشكل جزئي لافتراض معدل منخفض لبرميل النفط وتحديدا 75 دولارا عند إعداد الميزانية أي أقل من الأسعار السائدة في أسواق النفط الدولية. وتؤكد الأرقام الرسمية أن الدخل النفطي زاد بمقدار 25 في المائة عن المقدر خلال الشهور الستة الأولى وهو ما يعكس حقيقة الوضع في الأسواق الدولية. المشهور أن أسعار النفط لم تنخفض عن متوسط 100 دولار للبرميل لأسباب أمنية وسياسية لها علاقة بالملف النووي الإيراني والأزمة السورية. نعم تراجعت الأسعار عن حاجز 100 دولار للبرميل لعدة أسابيع بسبب مشاكل لها بأزمة اليورو وبالتالي فرضية تراجع النمو الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي. لكن من شأن التوترات المختلفة المساعدة في بقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا خلال العام الجاري. المعروف أيضا عن عمان تبنيها لسياسات مالية محافظة كخيار إستراتيجي كما هو ظاهر من تحاشي العضوية في منظمة (أوبك) بغية الحفاظ على استقلالية خياراتها الاقتصادية. ويلاحظ في هذا الصدد إعلان السلطنة وبشكل واضح عدم رغبتها الانضمام للمشروع النقدي الخليجي لأسباب اقتصادية. وهناك سبب إضافي آخر لارتفاع الإيرادات النفطية وهو استمرار تعزيز الإنتاج النفطي في إطار خطة واضحة لتطوير القطاع النفطي. فحسب تقرير حديث لمؤسسة (بريتيش بتروليوم) بلغ الإنتاج النفطي العماني 891 ألف برميل في 2011 مقارنة مع 715 ألف برميل في اليوم في 2007. بل تم تسجيل نسبة نمو قدرها 2.8 في المائة في الإنتاج النفطي في 2011. ويبدو أن للأمر علاقة بخطط تطوير الإنتاج النفطي عبر إبرام عقود شراكة تخدم مصالح مختلف الأطراف ذات العلاقة مع بعض شركات النفط العالمية خصوصا بالنسبة لحقل مخزينة. وكان تحالف بقيادة شركة أوكسيدنتال الأمريكية والذي يضم شركاء آخرين بينها مبادلة الإماراتية قد فاز في 2005 بعقد لتعزيز إنتاج حقل مخزينة من 10 آلاف برميل يوميا إلى 150 ألف برميل يوميا. عبر استثمار مبلغ قدره ملياري دولار. يساهم القطاع النفطي بنحو ثلثي دخل الخزانة العامة ما يعني توقع حصول تغيير جوهري في أهمية القطاع النفطي في حال تسجيل تطورات إيجابية أو سلبية بالنسبة لأسعار النفط الخام. لكن لا يمكن إغفال الجانب السلبي المتعلق بهذه الحقيقة أي وقوع الاقتصاد العماني تحت رحمة التطورات في أسواق النفط العالمية والتي بدورها تخضع لأسباب سياسية واقتصادية معقدة. ويبدو أن مؤسسات الائتمان راضية عن التطورات الاقتصادية بل وحتى السياسية الحاصلة في السلطنة. بالعودة للوراء شهدت عمان وتحديدا منطقة صحار الصناعية موجة احتجاجات في الربع الأول من 2011 للمطالبة بمعالجة بعض الملفات الحيوية منها القصور المالي والإداري في القطاع العام والبطالة في أوساط الشباب. وشملت خطوات المعالجة التي أقرتها السلطنة تعزيز الشفافية في إدارة شؤون المالية العامة من جهة وضخ أموال ضخمة تقدر بنحو 2.6 مليار دولار في الاقتصاد الوطني من جهة أخرى. وتضمنت الخطوات التفصيلية تخصيص مساعدات مالية شهرية للباحثين عن فرص العمل ورفع المخصصات الشهرية للعاملين والمتقاعدين. تبلغ نسبة البطالة في أوساط الشباب الباحث عن عمل قرابة 15 في المائة. كما شكلت وتشكل الحقائق الديمغرافية أي تمثيل من تقل أعمارهم عن 15 سنة لقرابة 43 في المائة من السكان ضغطا إضافيا على صناع القرار في السلطنة. وليس مستغربا تقديم السلطات وعود بتوفير عشرات الآلاف من الوظائف في مؤسسات الدولة والتي يرغب العمانيون العمل فيها لأسباب تشمل توقع الضمان الوظيفي. عودة لموضوع الائتمان فقد قررت مؤسسة (ستندارد آند بورز) في شهر يوليو تغيير النظرة المستقبلية للاقتصاد العماني من سلبي إلى إيجابي للتعبير عن تقديرها للخطوات التي تم اتخاذها منذ أحداث فبراير 2011. بدوها قررت مؤسسة (موديز) التأكيد من جديد للدرجة الائتمانية (أي واحد) للسلطنة فيما يخص مختلف أنواع السندات الحكومية. وحديثا فقط تم الكشف عن تسجيل نسبة نمو قدرها 19 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في الربع الأول من 2012. وما يبعث على الاطمئنان تسجيل نسبة النمو هذه في ظل عدم وجود ضغوط تضخمية. بلغ متوسط التضخم 3.6 في المائة لا أكثر في 2011 وهي لا تشكل تهديدا لديمومة الحياة الاقتصادية في البلاد. ختاما تفترض إحدى الجهات التي تراقب أداء اقتصادات دول مجلس التعاون بتحقيق الاقتصاد العماني أفضل نسبة نمو اقتصادية في المنطقة في 2013. وربما يكون التوقع في محله في حال حافظ الاقتصاد العماني على أدائه المتميز في ظل تقدير السلطات للأسباب التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات وهو ما يبدو كذلك.