10 نوفمبر 2025

تسجيل

الخاسر الأكبر في جريمة الحصارِ

12 يوليو 2017

لجريمةِ الحصارِ تداعياتٌ أشدُّ خطورةً من الفشلِ الأخلاقيِّ والسياسيِّ الذي مُنيتْ به دولُ الحلفِ الرباعيِّ، وأكثرُ أهميةً من الانشغالِ ببلاهةِ كلماتِ وزرائها في بيانهم الختاميِّ بالقاهرةِ. ونخطئُ كثيراً إذا اعتقدنا أنَّ بلادَنا هي الـمُستهدَفَةُ وحدها، لأنَّ جميعَ الأحداثِ التي رافقتْ الجريمةَ تُشيرُ إلى أنَّ السعوديةَ هي الـمُستهدَفُ الرئيسُ في مخططاتِ أبو ظبي التي اتخذتْ أشدَّ صورِها قذارةً حين قادتْ حلفَ الحصارِ الذي ضمَّ السعوديةَ ودولتين أخريينِ إحداهما مصرُ السيسي التي تقومُ بدورِ البلطجي الـمُرتزِقِ، والثانيةُ هي جزيرةُ البحرين التي تقومُ بدورِ الطَّبَّالِ الفاشلِ. فالسعوديةُ هي الخاسرُ الأكبرُ في حماقةِ أبو ظبي، وتبدو خسائرُها فيما يلي:1) تحجيمُ الدورِ القياديِّ للسعوديةِ: فمنذُ بدايةِ الجريمةِ حتى لحظةِ وقوفُ وزراءِ خارجيةِ الحلفِ للإدلاء ببيانِهِم في القاهرةِ، كانَ من الواضحِ أنَّ الـمملكةَ تقومُ بدورِ الوصيفِ للقائدِ الظبيانيِّ. بل إنَّ تغريداتِ الإماراتيِّ حمد الـمزروعي أكدتْ أنَّ أبو ظبي هي الـمركزُ الذي يتحكمُ بالتغييراتِ الكبرى فيها، وهي تغريداتٌ لو نُشِـرَتْ في أزمنةٍ أخرى لَقامتِ الدنيا ولم تقعدْ، لكنها مرتْ مرورَ الكرامِ وكأنَّ الـمملكةَ حريصةٌ على رضا الظبيانيينَ حتى لو مسوا بسيادتِـها الـمُطلقةِ في قراراتِها الداخليةِ. ونتجَ عن ذلك أنَّ الدولَ والشعوبَ أصبحتْ تنتظرُ بلهفةٍ ما يصدرُ عن أبو ظبي بشأنِ الحصارِ، دون أنْ تكترثَ لـما يصدرُ عن الرياضِ. وبالطبعِ، فإنَّ هذا مؤشرٌ خطيرٌ يجعلُ من نهايةِ مجلسِ التعاونِ مَحتومةً، ويدفعُ بالخليجِ إلى الـمنطقةِ الهامشيةِ التي لا تأثيرَا ولا دوراً للمتواجدينَ فيها. مما يعني أنَّ الـمنطقةَ مُقبلةٌ على مرحلةٍ ستشهدُ قيامَ تحالفاتٍ خليجيةٍ خليجيةٍ، وخليجيةٍ دَوليةٍ متصارعةٍ سياسياً واقتصادياً في ظلِّ غيابِ تأثيرِ الدورِ القياديِّ للسعوديةِ. 2) إضعافُ القوةِ الدينيةِ للسعوديةِ: فمنذُ قيام الدولةِ السعوديةِ الأولى، 1744 - 1818م، كان للمملكةِ قوةٌ لا يمكنُ لأحدٍ مواجهتها، هي قوةُ ارتباطِها بالإسلامِ الحنيفِ، مما جعلَ لعلمائها الكلمةَ العليا في العالمِ الإسلاميِّ، حيثُ كانوا أحدَ دروعِها السياسيةِ الأقوى من القوتينِ العسكريةِ والاقتصاديةِ. وهذه القوةُ العظيمةُ ضعفتْ وكادتْ تتلاشى عندما جُـرَّ كبارُ العلماءِ السعوديينَ إلى تأييدِ موقفِ الحلفِ الظبيانيِّ، فقاموا بالإفتاءِ ضدَّ قطر، والإساءةِ لقيادتِها وشعبِها، فأصبحوا في نفسِ الدرجةِ الأخلاقيةِ لوسيم يوسف شحادة الذي جَنَّسْـتْـهُ أبو ظبي بعدما وجدتْ فيه كلَّ عواملِ الانحطاطِ والتفاهةِ والابتعادِ عن روحِ الإسلامِ. وكم نتمنى على الـمملكةِ لو اطَّلَعَتْ على انحدارِ مؤشرِ تأثيرِها الدينيِّ في نفوسِ العربِ والـمسلمينَ بعدما رضيتْ أنْ تضعَ ثقلَـها الدينيَّ وعلماءها في سلةِ مطامعِ أبو ظبي. 3) تخليقُ الكيانِ الحوثيِّ: كما يعرفُ الجميعُ فإنَّ أبو ظبي تمارسُ سياسةَ الابتلاعِ غيرِ الـمباشرِ للدولِ. فهي الراعي الأولُ للنظامِ الانقلابيِّ لـموظفها عبد الفتاح في القاهرة، وتتعاملُ مع مصر كتابعٍ لها وليس كدولةٍ مستقلةٍ لا يصحُّ لها إلا ممارسةَ دورٍ قياديٍّ في العالمِ العربيِّ. وكذلك، تسعى لتحقيقَ أوهامِـها في تقسيمِ اليمنِ بحيثُ تُديرُ جنوبَـهُ بواسطةِ ميليشياتٍ تابعةٍ لها فتتحكم في مضيق بابِ الـمندبِ، وتحاصرُ عُمانَ جغرافياً لتحقيقِ أحلامِها في ضمِّ السلطنةِ لـمناطقِ نفوذِها فتتحكمُ، بالتالي، بمضيقِ هرمز. ولكنها، لتحقيقِ ذلك، تحتاجُ إلى تسويةٍ في اليمنِ تسمحُ بقيامِ كيانٍ حوثيٍّ في شمالِـهِ، وهو أمرٌ بالغُ الخطورةِ على الـمملكةِ لأنه يعني وجودَ جيبٍ إيرانيِّ قويٍّ على حدودِها الجنوبيةِ. والـمُستغربُ هو أنَّ الـمملكةَ لا تتعاملُ مع تلك الخطورةِ بصورةٍ تعكسُ حرصَها على خلوِّ شبه الجزيرةِ العربيةِ من مناطقِ نفوذٍ إيرانيةٍ تشابه كيانَ حزب الله في لبنان.