18 سبتمبر 2025

تسجيل

أعلام وأفكار .. الحوار نموذجا (2)

12 يوليو 2015

ذكرنا في المقال الفائت أن أول الضوابط التي يمكن استخلاص نتائجها من التراكمات الفكرية في كتابات العلامة الذهبي في مسألة الحوار مع غير المسلمين :1- البعد عن مواطن الجدال المذموم:وأوضحنا المعني والمبنى فيه ، والغاية الحقة من الجدال وضوابطه في ذلك كما قال الله "بالتي هي أحسن ."اليوم نقف عن الضايط الثاني وهو2- التركيز على نقاط الالتقاء، ومواضع الاتفاق:كذلك من مظاهر الاستفادة من الدراسة في الحوار مع غير المسلم: التركيز على نقاط الالتقاء، ومواضع الاتفاق، وذلك بهدف إيجاد أرضية مشتركة تصلح منطلقا للحوار، قال تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ}. فذكر القرآن ما يؤمن به المسلم وما يدعيه غيره كقاسم مشترك بين الفريقين، وهذا منطق آمن يرجى من ورائه نقاش هادف وحوار مثمر، وهو باب من أبواب المجادلة بالتي هي أحسن.ومن الآيات التي تؤكد هذا المعنى قوله تعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. وهذه الآية أصل في آداب المناظرة والجدل، فقد بدأ القرآن بالتأكيد على أن المعبود الذي يدين به المسلم وغيره، هو المستحق لإخلاص العبودية له لا شريك له، ونحن جميعا على هذا المفهوم. فكان موطن الالتقاء المشترك قضية الربوبية، وهذا لا يثير المخالف غير المسلم، بل يطمئنه ويحفزه لمزيد من التحاور.إن بين كلِّ متناظرينِ مختلفينِ مهما تباعدا -فكرا أو اتجاها- حدا مشتركا من النقاط المتفق عليها والتي يسلِّمُ بها الطرفان، والداعية البصير بدعوته هو الذي يظهر مواطن الاتفاق، ويبدأ الحوار بالأمورِ المتفقِ عليها، مما يساعدُ على تقليلِ الفجوة، ويوثق الصلة بين الطرفين.على أن تجاوز تلك الفرضية والبدء بمواطن الاختلاف وموارد النزاع؛ يجعل فرص التلاقي تقلُّ، وفجوة الخلاف تتسع، كما أنه يغيِّرُ القلوب، ويثيرُ التعصُّب والأهواء.3-البعد عن الإساءة والتجريح:ومن مظاهر الاستفادة من الدراسة في الحوار مع غير المسلم: البعد عن الإساءة والتجريح، ذلك أن الإساءة كأصل مرفوضة شرعا، وقد نهى الإسلام عنها في قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء".والقرآن الكريم يرتفع بالمسلم ليجعله يبتعد حتى عن إساءة إلى الحجر أو الصنم مادام غير المسلم يعتقد فيه ربا ومعبودا، وحتى لا يتطاول المخالف عن رد السب بمثله قال تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُون مِنْ دُونِ اللَّهِ}.ولعلنا في المقال القادم نوسع الحديث حول هذه النقطة لأهميتها، والله نسأل ان يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.