12 سبتمبر 2025

تسجيل

ومن يعظم شعائر الله

12 يونيو 2024

طلب سائل فتوى بشأن أيهما أفضل شراء أضحية وذبحها، أم توزيع مبلغها على الفقراء. وكان الرد من الشيخ الفاضل (إن طرح هذه الأسئلة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، كقول بعض الناس: اتركوا الطواف حول الكعبة وطوفوا حول الفقراء»، وقول آخرين: التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها، وقول غيرهم: لقمة في فم جائع أفضل من بناء ألف جامع.. للأسف هذه الكلمات سواء كنت تعلم أو لا تعلم، الغرض منها هو تزهيد المسلمين في الشعائر الظاهرة التي يظهر بها شعار الإسلام ويتميزون بها عن غيرهم. أو أن من يطلق مثل هذه المقولات يجهل حقيقة الدين وأحكامه الحكيمة وترتيب الأولويات.. فالفقراء موجودون في كل زمان منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا ولم يقل أحد من السلف الصالح مثل هذا الكلام البارد. ولماذا لا يقال: لا تشترِ لحماً مرتين في الأسبوع واشترِ مرة واحدة في الشهر وطُف حول الفقراء؟!، ولماذا لا يقال: لا تشربوا السجائر... وادفعوا ثمنها للفقراء؟!، ولماذا لا يقال: اتركوا قاعات الأفراح والأثمان الباهظة وطوفوا حول الفقراء؟!، لماذا لا يقال اتركوا المصايف والتنزهات وطوفوا حول الفقراء؟!، لماذا تُنفق الأموال في الترف والغناء والأفلام والمسلسلات والمباريات والنت.... ولا تطوف هذه الأموال حول الفقراء؟! فضل صوم يوم عرفات عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها - أنَّ رسول الله- ﷺ- قال: (ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمِ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) المصدر: صحيح مسلم – 1348، فَضل اللهُ بعض الأيام عَلى بعض ومن تلك الأيام الفاضلة يوم عرفة، فَله فضائل كثيرة، ومر بِه حَوادث عظيمة للإِسلام. فلما كان الحج عرفة، والحج يهدِم ما قبله، كان ما في يوم عرفة من الخلاص عن العذاب، والعتق من النار أَكثر ما يكون في سائر الأيام، وإنه سبحانه وتعالى ليدنو ثمَ يباهي بمن بعرفة الملائكة، فالله سبحانَه وتعالى يباهي بأَهل عرفة الملائكة، معناه: يظهر فضلهم لهم ويريهم حسن عملهم ويثني عليهم عندهم، وأَصل البهاء الحسن والجمال. فيقول: ما أَراد هؤلاء؟ أي: أي شيءٍ أَراد هؤلاء حيث تركوا أَهلهم وأَوطانهم وصرفوا أَموالهم وأَتعبوا أَبدانهم؟ أي: ما أَرادوا إلا المغفرة والرضا، وهذا يدل على أَنهم مغفور لَهم لأنه لا يباهى بأَهلِ الخطايا والذنوب إلَا مِن بعد التوبة والغفران. لا ننسى أهلنا في غزة في هذه الأيام الفضلى إخواننا في غزة وهم يتلقون على رؤوسهم الضربات الصاروخية اللعينة تتساقط عليهم من أسلحة الدمار الصهيونية من كل جانب، لا ننسى أن نبتهل بالدعاء لهم بأن يثبتهم الله ويجعل كل هذه الضربات عليهم بردا وسلاماً ويرحم أمواتهم ويشفي جرحاهم، ويأوي لاجئيهم، وأن يكلل جهود قيادتنا الكريمة والدول الساعية للسلام بالنجاح في مساعيهم نحو وقف إطلاق النار، ونحن في غمرة تعظيم شعيرة الله بأداء صوم يوم عرفات والذبح لإحياء شعيرة عيد الأضحى وقلوبنا تتقطع لما يحدث لأطفال ونساء وأبطال أهل غزة الصامدين في وجه العدوان الصهيوني والدول المساندة لهم. كسرة أخيرة أهلنا في غزة بعد أن كانوا يستقبلون عيد الأضحى بالذبائح والحلوى والأفراح أصبحوا يستقبلونه بالبكاء على فقد أعزائهم والبحث عن لقمة العيش لسد رمقهم والأحزان بدلاً من الأفراح، وتفوح من حولهم رائحة الموت والفقد والدمار من كل أرجاء القطاع المنكوب، فلم يعد هناك مكان للفرحة وسط استمرار الحرب الضارية، ولسان حالهم يقول «عيد بأي حال عدت يا عيد»، وتمتزج دعواتهم وأمنياتهم بانقشاع الأزمة بالقلق والترقب لما سيحدث في الغد بعد دخول هذه الحرب اللعينة شهرها التاسع. وبينما سيحتفل العالم العربي والإسلامي، ولن يختلف العيد عندهم عن غيره من الأيام السابقة، سيستيقظ فيه النازحون على أصوات القصف والدمار ويبدأون بالبحث عن المياه والطعام لأطفالهم وعائلاتهم، ولا يطمعون سوى في الحصول على قليل من الأمان.