10 سبتمبر 2025
تسجيلقديما قالت العرب: البلاء موكل بالمنطق. ومرادهم من ذلك: أن الكلام الذي لا خطام له مورد المهالك، وأن العاقل عليه إحكام لسانه وضبط ما يتفوه به، أي: ليقل خيرا أو ليصمت. لكن البعض مولع بالاستشراف السلبي أو بالحديث غير الموزون، وغاب عنه قول عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تستشرفوا البلية، فإنها مولعة بمن تشرف لها». وقول الشاعر العربي صالح بن عبد القدوس: لا تنطقنْ بمقالةٍ في مجلسٍ... تخشى عواقبَها وكن ذا مَصْدقِ واحفظْ لسانكَ أن تقولَ فتبتلى... إِن البلاءَ موكلٌ بالمنطقِ إن العاقل لا يستدعي البلاء أبدا، بل يتفاءل ويفترض الخير ويحسن الظن ويعمل وفق الأسباب المشروعة له، ويأخذ من التاريخ زاد الحذر ممن أطلق لسانه فابتلى. هذا عبد الله بن مسعود يحكى قائلا: إِنَّا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا، فَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، وَإِنْ قَتْلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، وَاللَّهِ لأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتْلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، قَالَ: « اللَّهُمَّ افْتَحْ «، وَجَعَلَ يَدْعُو، فَنَزَلَتْ أَيَّةُ اللِّعَانِ؛ فَابْتُلِيَ بِهِ الرَّجُلُ بَيْنَ النَّاسِ، فَجَاءَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلاعَنَا « فانظر كيف قاده النطق والاستشراف السلبي إلى الوقوع مما خشيه! وآخر يرفض دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالعافية، وينطق بما لا ينبغي فماذا حدث ؟ في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده، وكان النبي إذا دخل على مريض قال:»لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ « ؛ فَقَالَ الرجل: قُلْتَ طَهُورٌ ! كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ - أَوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَنَعَمْ إِذًا. الأول ابتلي بما ذكر وكان يسعه الصمت، والثاني لم يقبل دعاء رسول الله فقال بلسانه ما وجده أمامه، وهكذا تقع الدواهي. ومن تأمل التاريخ جيدا وجدا كثيرا من المواقف تدلل على أن البلاء موكل بالمنطق، من ذلك ما قاله المؤمل الشاعر في امرأة من الحيرة كان قد تعلق بها: شفَّ المُؤمِّلَ يومَ الحيرةِ النَّظرُ... ليتَ المؤمِّلَ لم يُخلقْ لهُ بصرُ وكذلك مجنون ليلى حين قال: فلو كنتُ أعمى أخبطُ الأرضَ بالعصا... أصمَّ فنادتْني أجبتُ المنادِيا فعمي المؤمل وكذا مجنون ليلى، وكلاهما وقع عليه ما تفوه به، والعاقل من اتعظ بغيره.