14 سبتمبر 2025

تسجيل

انهيار الحلم الإمبراطوري

12 مايو 2020

بدأ المشروع الإمبراطوري لأبوظبي بالانهيار، وظهرت حقيقة الإمارة كقوةٍ ضئيلةٍ جداً، عسكرياً وحضارياً، بعدما فقدت قوتها الاقتصادية بسبب التداعيات الهائلة لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي، ولانهيار أسعار النفط بسبب السياسات النفطية للحليف التابع لها؛ أي: السعودية. واليومَ، لابد من تحليل السياسات الرعناء للبلدينِ، للوصول إلى أهدافها الحقيقية، والنتائج الناجمة عنها. (1) حرب اليمن: لا يمكن لعاقلٍ أنْ يعتقد لوهلةٍ أنَّ البلدين يريدان خيراً لليمن وشعبه، لأنهما لم يُدمرا البنى التحتية له، ويتسببان في تهجير الملايين من شعبه، وإنما قاما، أيضاً، بتخليق حالةٍ همجيةٍ داخليةٍ فيه، من خلال تمكين جماعاتٍ متخلفةٍ حضارياً، ولا صلة لها بالوطنية. ففي الجنوب، تتكاثر كالفطر السام جماعاتٌ انفصاليةٌ برعاية إماراتيةٍ مباشرةٍ، ورعايةٍ سعوديةٍ غير مباشرةٍ، وهي جماعاتٌ مناطقيةٌ وقبليةٌ يرفع بعضها صوته بالدعوة لانضمام الإقليم الفلاني للسعودية، وانضمام المنطقة الفلانية للإمارات، بلا خجلٍ ولا حياءٍ. وفي الشمال، كَبُرَ البعبعُ الحوثيُّ حتى أصبح وحشاً ضارياً، تحت أنظار البلدين اللذين طالما ادَّعيا أنهما يشنان حربهما الهمجية لتخليص اليمن منه، فأصبح قادراً على تهديدهما كما يشاء، وأصبحا يلهثان للاتفاق معه على حلٍّ يحفظ لهما ماء الوجه. وبخاصةٍ، أنهما لم يعودا قادرين على الصرف على عملائهما في اليمن وليبيا وسوريا ومصر كالسابق. ورغم أن الهدف الرئيس الأول للبلدين كان، منذ البداية، هو احتلال السعودية لإقليم المهرة لتحقيق حلمها القديم بالإطلال مباشرةً على المحيط الهندي، واحتلال الإمارات للموانئ والجزر الاستراتيجية لتمنع تنميتها كي لا تنافس موانئها؛ فإن الهدف الرئيس الثاني هو الضغط على عُمان براً وبحراً لإشغالها عن عمليات تنمية اقتصادها وبخاصةٍ تحديث موانئها وتشغيلها لتصبح مركزاً للتجارة العالمية، وكذلك لتحقيق أوهام أبوظبي في احتلال رأس مسندم لتكون لها السيطرة المطلقة على مدخل الخليج العربي. وهنا، نفهم لماذا تتودد الإمارة لإيران رغم ادِّعاءاتها الإعلامية ضدها؛ فالقيادة الظبيانية تتوهم أنها بعد سيطرتها على مضيق هرمز، ستتقاسم النفوذ عليه مع طهران. بالطبع، إن هذا المخطط سيتهاوى، ولن يُكتب له النجاح، لأسباب كثيرة أهمها: أن اليمن وعُمان ليسا تائهينِ في التاريخ، وإنما هما بلدان يتمتعان بوجود تاريخي ممتد، وبخبرات هائلة في التنظيم السياسي، وبشعبين متعلمينِ مثقفينِ وطنيينِ لن يسمحا للتائهين في تمرير تلك المخططات. (2) حرب ليبيا: وهي من الحروب التي يقوم بها البلدانِ ضد الشعب الليبي بواسطة عميل ميليشاوي هو خليفة حفتر وعصابات من المرتزقة الذين يشتريانهما من دول كثيرة. والمضحك في هذا هو أمران: الأول، هو أن أبوظبي والرياض تخوضان حربهما الهمجية في اليمن تحت ستار دَعْمِ الشرعية، أما حربهما في ليبيا؛ فهي ضد الحكومة الشرعية التي يعترف بها العالم كلُّه. وهذا يعني أنهما تمارسان جرائم ضد القانون الدولي، وتُزعزعان أمن واستقرار دولة عضو في الأمم المتحدة. الثاني: هو أنهما تؤكدان دائماً على وجود تهديد إيراني لابد من مواجهته بحمايةٍ خارجيةٍ لهما، لكنهما تقومان بممارسة دور أكبر من قدراتهما في شنِّ حرب ضد بلد بعيد جداً عنهما. ولأنهما لا تمتلكان رؤيةً استراتيجيةً صائبةً، فقد أغفلتا أن تركيا تتحرك لدعم الحكومة الشرعية في ليبيا وفقاً للقانون الدولي، كما أنها قوةٌ عظمى إقليمياً، وقوةٌ ذات مشروعٍ حضاريٍّ له تأثيرٌ وقبولٌ عظيمانِ في الشارعين العربي والإسلامي، وليست دولةً تعمل كأداةٍ ضمن مشروعٍ متصهينٍ لن يُكتب له النجاح. (3) حرب سوريا: وهذه أبرز الأدلة على أن البلدين ليسا حليفينِ موثوقينِ. فقد أنشأت أبوظبي والرياض ميليشيات عسكرية بحجة دعم الشعب السوري، ودعمتا تنظيم داعش لتبرير انقلابهما اللاحق على هذا الشعب، وكان وزيرا خارجيتهما يستأسدان ضد النظام السوري في تصريحاتهما العنترية، ثم تحوَّلا إلى داعمينِ له، بل وداعمين لعصابات الانفصاليين في شمالي وشرقي سوريا. إن سياساتهما في سوريا هي نفس سياساتهما في اليمن وليبيا، قائمةٌ على دعمِ العصابات والعملاء والانفصاليين، ومحاولة مَنْعِ أي نهضةٍ حقيقةٍ في هذا البلد العربي المهم جداً. لكنهما ستفشلان، أيضاً، لأن سوريا منطقة نفوذ دولي لا يمكن لقوى صغيرة بلا تأثير أن تتواجد فيه. [email protected]