10 سبتمبر 2025

تسجيل

لحظات رقائق الذرة

12 أبريل 2022

تذكر أوبرا وينفري في كتابها المشترك مع الدكتور بروس بيري (WHAT HAPPENED TO YOU?) موقفاً أثر فيها. وكانت مقابلة تلفزيونية مع طفلة فقدت أمها بسبب مرض السرطان. وقبل وفاة أمها، قرر والدها قضاء آخر أيام أمها في السفر عبر الولايات المتحدة الأمريكية. سألت أوبرا الطفلة عن أبرز لحظة قضتها في هذه الرحلة مع أمها. وتوقعت أن يكون الجواب، مشاهدة معلم سياحي ما أو زيارة ولاية معينة أو غيرها من الأجوبة المتوقعة من الأطفال في سن يحبون فيها اكتشاف وملامسة ومشاهدة الأشياء.. ولكن جوابها كان مغايراً تماماً. أخبرت الطفلة أوبرا بأن أفضل لحظات الرحلة بالنسبة إليها كانت ليلة ذهب فيها الجميع إلى النوم وقامت هي في الساعة الثانية صباحاً إلى المطبخ لتجد أمها غير قادرة على النوم، فسألت أمها إذا كان بمقدورها أكل رقائق الذرة مع الحليب (وهي الوجبة المسموح بها صباحاً فقط). فوافقت أمها على طلبها وجلستا معاً لتأكلا وتتحدثا وتضحكا طوال الوجبة. أعطى الدكتور بيري وأوبرا اسماً لهذه اللحظة التي مرت بها الفتاة مع أمها، وسموها بلحظات رقائق الذرة (CEREAL MOMENTS). هذه اللحظات الحلوة التي يحظى بها الإنسان في حياته عندما يخلق رابطة قوية مع شخص ما في وقت ما، فيتخلل وقتهما الحب والثقة والراحة والاطمئنان. في هذه اللحظات يسمعك هذا الشخص وتسمعه.. يراك كإنسان وتراه.. تشعر به ويشعر بك، ولا تشعر بأنك وحيد في هذه الدنيا. في هذه اللحظات تكون ممتنا لوجود هذا الشخص في حياتك وسعيداً به. وهذه اللحظات قد تتشاركها مع شخص أو أكثر بحسب الموقف والحدث. لحظات رقائق الذرة التي نذكرها بالتفصيل في حياتنا، هي ما تبقى بعدما ننسى كل شيء.. ننسى ماذا أكلنا وشربنا عندما سافرنا في الصيف، ولكننا نذكر عندما فاجأنا صديق لنا بزيارتنا في الفندق. نذكر هذه اللحظات عندما ننسى تعب الدراسة وإرهاقها، ولكننا نذكر نصيحة ابن العم الذي حثنا على إكمال الدراسة عند استلامنا لشهادة الماجستير. هذه اللحظات هي ما تبقى في الذاكرة، وما غيرها يزول. في دراسة علمية حديثة تم إعدادها في مستشفى فانكوفر العام، وجد الباحثون أن الإنسان يسترجع شريط ذكرياته قبل موته بعد فحصهم للنشاط الكهربائي لمخ رجل قبل توقف قلبه. أي أن ما شاهدناه في الأفلام وما روته لنا الكتب لم يكن كله من وحي الخيال. الإنسان فعلاً يسترجع ذكرياته قبيل وفاته بثوانٍ أو حتى دقائق، وأجزم بأن معظمنا إن لم يكن جميعنا نريد لهذه الثواني والدقائق أن تكون ذات معنى وأثر.. وأن تكون جُلها بطعم رقائق الذرة مع الحليب!