16 سبتمبر 2025
تسجيلأخي العزيز قرأت تعليقك بالورقة والقلم، محاولا أن أخرج إلى قلب ما تقول، قد يشفع لنا حسن الظن بأنفسنا وادعاء كل منا التجرد وهي نعمة من الله إن استقرت فينا يكون لنقاشنا جدواه. دعني لا أتناول الأمر بترتيب عرضك له، لأن الأمر ليس حجة مقابل حجة ولكنه محاولة تنشد صدق قراءة الواقع قبل الحكم عليه واتخاذ موقف تجاهه. وأعتقد أنك معي بأن الانتقال في الحوار من (ثورة يناير وخصوصية أنها ثورة شعب بلا زعامات، إلى توصيفك للحالة الآن) إننا أمام صراع سياسي لن يكون فيه غالب ومغلوب، وأمام مشكلة سياسية خلقتها اختيارات خاطئة للنخب السياسية من الطرفين منذ بداية مسار الانتقال. وتصور فريق ما بأن بإمكانه فرض وجهة نظره على الآخر لن ينتج عنه إلا دفع الناس إلى التصادم في الشارع وسقوط ضحايا بشرية من الطرفين، بجانب تخريب مسار الانتقال بأكمله وإدخال البلاد إلى نفق مظلم، وهو بيت القصيد وهو لب الاستيعاب لحقيقة ما يدور. فهل فعلا ما نواجهه مشكلة سياسية؟ وهل الأحزاب المطروحة أمام الشعب وبتعدد انتماءاتها، هي أحزاب الثورة أو هي أحزاب تعبر عن مجتمع خرج ثائرا، أم أنها أحزاب تمضغ آلام الشعب وتأخذ منها سبيلا للصدام فيما بينها، والصدام هنا كلمة تتجاوز الحقيقة، فهم يكتفون بصراخ "الميكروفونات" وشاشات التلفزيون ويتفقون معا على حالة الانتقال من "الثورة أو بروفة الثورة" إلى "الصراع السياسي"، وما قضايا الثورة غير أرضية تستر بها الصراع على الكراسي. ثم الحديث عن المؤامرة (والثورة التي تجاوزت كل المؤامرات وفخاخ العنف المتتالية طوال ما يقرب من سنتين، ستتجاوز المؤامرة الحالية). ثلاثة عناصر: الانتقال من ثورة إلى صراع سياسي - الأحزاب التي تأخذ بقاعدة الفيتو فيما بينها - المؤامرة الحالية. المشهد كما أقرأه أن الثورة لم تتجاوز المؤامرات حتى نصل إلى مؤامرة حالية، وأن انتقال الثورة إلى صراع سياسي هي واحد من مظاهر المؤامرة، ولكن المشهد المحوري في الثورة بدأ مع الوقائع المؤدية إلى ثورة يناير وطوال الأشهر المنقضية، وهو إخراج الكتلة الشعبية من المعادلة والحيلولة دون تحقيق نتائج تتجاوز الأحجام والقدرات المحدودة للأحزاب والجماعات، ويضاف إلى ذلك السيطرة على النتائج وألا تكون تلك النتائج حافزا لتكرار الاحتشاد الشعبي. المؤلم أن المؤامرة الرئيسية مازالت مستمرة تحت هذه الغايات ولا يعطي الواقع أي دلالة على أنها استكملت أركانها، وما يراه البعض اليوم مؤامرة هو في توصيفه المباشر محاولة لمواجهة نتائج المؤامرة الرئيسية. ولا أتجاوز الواقع أيضاً أن العنف الذي دار طوال العامين الماضيين كان له محاور متعددة: محور ترهيب الشعب وهو محور بدأ في أعقاب الأيام الأولى للثورة واتهم فيه "البلطجية"، ولكن العديد من الوقائع تؤكد أن وراءها قطاع من الداخلية، وواجه هذا المحور ما جرى تسميته "باللجان الشعبية"، لينتقل الأمر إلى عمليات قرصنة سواء بسرقة السيارات أو البنوك وغيرها من صور الإرهاب. محور الصراع الطائفي، منذ اللحظات الأولى للثورة وحتى ماسبيرو، ويومها خرجت مذيعة بالتلفزيون تستنجد بأهل بولاق أبو العلا، لإنقاذ الجيش والتلفزيون من هجوم "مسيحي"، ولم يكلف أحد نفسه التدقيق في الوقائع. محور العنف الناتج عن أجندة انتقال السلطة كما وضعها البشري، وهو عنف كان ظاهره ثورة وحقيقته رحلة الإقصاء الداخلي بين أطراف الصراع على وراثة الحكم تحت المظلة الأمريكية ويومها كان التحليل أن القوى المضادة للثورة أكثر قدرة على تحديد عناصرها وأهدافها، وأن القوى المنتمية لحركة الشعب كانت تأخذ الأهداف جزئيا دون تمييز لها بمدى أثرها على قضايا التغيير، وجرى استبدال الخصومات والالتفاف على تطهير النظام بمحاكمة حسني، بينما كافة قضايا المتظاهرين تنتهي بالبراءة، ولتتم المصالحة مع كل عناصر النظام السابق، وتبقي فقط الخصومة السياسية والاجتماعية مع الثورة وعناصرها، وهو ما انتهى إليه أداء الفترة الانتقالية واندثرت مهامها الأساسية دون تحقق. ووصلنا إلى مشهد العنف المتوالي من مرسي واجترائه بما يسمى بالإعلانات الدستورية وهو نوع من العنف لا يسفك دم الأفراد ولكنه يحاصر دولة وشعب وثورة، وواكب هذا عنف استخدام ميليشيات الإخوان لحصار الدستورية ثم واقعة الأربعاء 5 ديسمبر بالعدوان على معتصمي الاتحادية وقتل 10 من المعتصمين، وكان الأربعاء الأسود هذا إيذانا بانتقال العنف داخل ذات مؤامرة الاستيلاء على السلطة إلى مرحلة جديدة. لدي قناعة أن ما نشاهده هو حالة من المقاومة الشعبية غير المنظمة. وأن نظام الإخوان يدعي أنها مؤامرة على الديمقراطية؟ وهنا يصبح الحديث عن ديمقراطية الصندوق هو ادعاء بغير سند من معنى الديمقراطية، فالديمقراطية لها شروط واجب توافرها وهي تتحقق عبر تراكم اجتماعي واقتصادي وتعليمي وسياسي وليست مجرد طرح البدائل العاجزة والمرفوضة أمام شعب ليختار بأي صور العجز يمكنه أن يقبل. ولعلك تراجع الدعوات المتتالية من محمود مكي إلى أبو إسماعيل عن القوة والميليشيات والعنف والتربص، وأخيرا قرار من النائب العام بمنح الضبطية القضائية إلى عموم الناس. ما يوصف أنه مؤامرة جارية هو في حقيقته مقاومة للمؤامرة المستمرة على الشعب، وحالة المقاومة هذه تؤكد عجز كل الأحزاب وتتجاوزها. وتقول يا صديقي (كما أن الانقسام الشديد بين الطرفين قد يدفع المؤسسة العسكرية إلى التدخل. فالجيش في مصر جزء من المعادلة قبل الانتقال وبعد الانتقال. المشكلات السياسية تحتاج إلى حلول سياسية، والحلول السياسية تحتاج إلى تقدير الأمور بشكل صحيح والتدبر في عواقب القرارات.) "الجيش في مصر جزء من المعادلة"، قولة حق ويجب النظر إليها بموضوعية وبعيدا عن الشطط أو التمني. 1) إن كانت أهداف الثورة (عيش - حرية - عدالة اجتماعية)، غير إن الحقائق والمعلومات جعلت في مضمون الشعار "بناء جيش وطني قوي" هدفا من أهداف الثورة وكلما ازداد الوعي تزايد وضوح هذا الهدف. 2) إن الجيش المصري هدف لقوى خارجية لإحالته إلى قوة لمواجهة "الإرهاب"، أي قوة مضافة ضمن "الفيلق العربي بحلف الناتو" كقول صديق آخر. 3) إن العلاقة بين الجيش والسلطة المدنية، مسألة علمية، وليست رهن بالأهواء أو بمحاولات السيطرة على المجتمع، وهذه العلاقة كانت محل بحث عبر التاريخ، وبحثتها مصر واستقرت على توصيفها منذ 1967، ولكن ما حدث في الدستور كما وصفت الصحف الأجنبية ولها أهواؤها، أن الدستور أعطى الجيش الحكم الذاتي لنفسه. 4) إن الجيوش في الدول النامية وهي الكتلة الصلبة في تلك المجتمعات، هي الأكثر تنظيما والتي تملك السلاح، وهي القادرة على الانقلاب على سلطة الحكم. 5) التجربة خلال الفترة الانتقالية حملت من الوقائع ما أحدث شرخا بين جمهور المتظاهرين والجيش، خاصة في وقائع المحاكمات والسحل والاعتقال والقتل بل إن المؤتمرات الصحفية كانت في ذاتها تزيد من التوتر أكثر منها تزيد من الوضوح، وإذا كان الجيش من طرفه وضع مبررات لموقف منه، غير أن هدف استبعاده من معادلة القوة كان هدفا داخليا وخارجيا لإفساح فرصة كاملة للاستيلاء على السلطة دون تحقيق مهام الفترة الانتقالية. 6) إن وقائع العنف في سيناء، ليست مصادفة، ولأن الصراع على سيناء صراع بين مصر وأطراف أمريكية إسرائيلية ضمن مشروع تبادل الأراضي للتخلص النهائي من القضية الفلسطينية، فكان الغريب تلك الموجة من تنظيمات إسلامية مسلحة على سيناء، وليس آخرها الهجوم على رفح، ولكن الخطر يكمن في التسلل لمواجهة الجيش في سيناء بعد القبض على عناصر جرى نسبهم إلى كتائب القسام. 7) إن حالة الاستدعاء للجيش ليقيم توازنا مع سلطة القرصنة على الدولة، يواجه الآن بالحديث عن مدنية الحكم، غير عابئ بأن أحد شروط مدنية الحكم هي دستور توافقي، ولعلك ترى في حكم محكمة القضاء الإداري بوقف الانتخابات وإحالة قانون الحقوق السياسية إلى الدستورية ما يؤكد أن مسؤولية الجيش في حماية الدستور مسؤولية قائمة حتى وإن اختلف الجميع على الدستور، فليس للجيش أن يضع من عنده دستورا وإلا كان انقلابا على الحكم، والسؤال ما الذي يحول دون الانقلاب على الحكم؟ هل هو صحة الحكم؟ أم غياب إرادة الانقلاب عن الجيش وعدم رغبته للدخول طرفا في صراع سياسي؟ 8) السؤال الآن، هل الجيش المصري طرف يمكن لأي جماعة أن تعلن أنها على استعداد لمواجهته بالسلاح كما تحدث أبو إسماعيل؟ وهل ونحن نطالب الجيش أن يبتعد عن "السياسة" نطلب منه أن يكون كما خصيان بني أمية؟ وهل يمكن أن نبني جيشا مصريا قويا دون أن يكون من خلفه مجتمع متماسك يضع الجيش في مكانته الحقيقية بالنسبة للمجتمع؟ حاولت أيها الصديق أن الملم عناصر الصورة، ولكن الخطر الذي يحيق بالوطن للأسف مصدره المؤامرة المستمرة منذ قيام الثورة، أطراف المؤامرة لم تتبدل، والحديث عن البلطجية وما يطلق عليهم الفلول، هو ذر للرماد في العيون حتى لا تنكشف حقيقة أطراف الصراع. الصراع على الهوية والسلطة، لا أشك في أن الإخوان والتنظيمات المتأسلمة قد خسرت صراع الهوية، وبقي صراع السلطة وسيستمر، لأن البحث عن حكماء وسط غابة الأهواء هو العبث بعينه. ليدرك مرسي ومن يخالفونه أن المعارضة بالوكالة قد انتهت، ومواجهات الشعب في كل اتجاه هي معارضة بالأصالة، هي مصالح تائهة لا تجد سبيلها للتحقق، ففتحت الباب أمام مواجهات تتباين وتتعدد وتنتشر بعرض مصر وطولها.