28 أكتوبر 2025
تسجيللا بد من الإقرار بأن السخرية أو الفكاهة، من الأدوات الكبرى والمطلوبة، في الأعمال الإبداعية، تماما مثل التراجيديا المحزنة، التي يتذوقها القراء، ويتفاعلون معها. وتجدهم بكل حواسهم الفجوعة داخل روايات مبكية، يشنق بطلها في آخر النص، أو تموت بطلتها بالسرطان، أو يحدث حادث لشخصية وسيمة يفقدها الوسامة إلخ، بنفس القدر، هناك من يتفاعل مع النص الساخر، بنفس طريقة تفاعله وربما أكثر، من النص التراجيدي، الذي يستحلب الدموع، مثلا أنا كقارئ، حين اطلعت على رواية المئوي الذي هبط من النافذة واختفى للسويدي يوناس يانسون،( أحكي عن الرواية التي بطلها رجل عجوز في المئة.... الخ. تفاعلت مع هذه الرواية بشدة، وكانت ابتسامتي دائمة على شفتي، حتى أكملتها في زمن قصير. لقد استطاع يانسون أن يفعل السخرية هنا، في رسمه لشخصية بطل الرواية: الن العجوز، والمواقف التي مر بها هو والشخصيات الأخرى، وتخيل شخصية مثل بوسي، وهو صاحب كشك يبيع سندوتشات النقانق- هوت دوجز، حين نعلم أنه تعلم كل شيء تقريبا، ولم يكمل تعليمه فيه، على مدار ثلاثين عاما، فأصبح نصف طبيب، نصف مهندس، نصف مدرس، نصف صيدلي، نصف لاعب كرة، ونصف مجرم أيضا. وشخصية مثل الجميلة، التي لم يوصف جمالها ولكن فقط الجميلة، وأحبها بوسي، وتهكم الراوي أيضا على شخصيات تاريخية مثل لينين وماو تسي تونج والرئيس الأمريكي ترومان، ورسم هذه الشخصيات بصورة كاريكاتورية مدهشة، حتى الصرامة والشدة والبطش عند لينين الشيوعي مثلا، ورئيس كوريا الشمالية، كان ساخرا فعلا. إذن يوجد طعم للسخرية، ربما يتذوقه المحبون للطعم، وربما قراء آخرون، عابسون وكئيبون، وبالتالي ينخرطوا في قراءة النصوص. ولو نظرنا لتاريخ النثر العربي، وبدأنا مبكرا، لعثرنا على كثير من الكتابات الفكهة، أو المرحة كما أسميها، طبعا ذلك قبل كتابة الرواية، في صورتها المتطورة الحالية، وإنما أعني النثر عموما، بجانب الاهتمام بالمحسنات البديعية، الجناس والطباق، وغيرها فيما كتبه كثيرون مثل ابن المقفع، واستخدام الخيال الجامح، في ألف ليلة وليلة.