18 سبتمبر 2025

تسجيل

تغييرات في تركيبة الاقتصاد البحريني

12 فبراير 2012

مع حلول الذكرى الأولى للأحداث التي مرت بها البحرين في منتصف فبراير 2011 بات الاقتصاد البحريني أكثر اعتمادا على العون الاقتصادي السعودي الأمر الذي يستحق الوقوف عنده ودراسة أبعاده. بالعودة للوراء، تطالب الحركة الإصلاحية بتنفيذ تغييرات جذرية في طبيعة النظام السياسي في البحرين بحيث يكون للمجلس المنتخب والذي يعتمد على دوائر عدالة دور محوري في تشكيل الحكومة. وربما فرض تعزيز العلاقة الاقتصادية مع الجارة والشقيقة الكبرى السعودية نفسه بالنظر لتراجع أداء الاقتصاد البحريني كما يتجلى ذلك بشكل واضح وجلي من الإحصاءات المنشورة. من جملة الأمور، تم تسجيل نسبة نمو قدرها 2% في الناتج المحلي الإجمالي للبحرين للعام 2011 أي أقل من نصف ما كان عليه الحال في 2010. وجاء هذا الأداء غير الإيجابي على خلفية تطورات شملت عدم تنفيذ مسابقة الفورمولا واحد فضلا عن انتقال بعض المؤسسات المالية إلى دول الجوار الأمر الذي نال من ديمومة قطاع الخدمات المالية. يساهم قطاع الخدمات المالية بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي منافسا بذلك القطاع النفطي ما يعني بالضرورة بأن أداءه يؤثر سلبيا أو إيجابيا على الاقتصاد الشامل برمته. من جهة أخرى، لم يحقق الاقتصاد البحريني نتائج حسنة في العديد من المؤشرات الدولية في 2011. على سبيل المثال، كشف تقرير التنافسية الاقتصادية للعام 2012-2011 بأن الاقتصاد البحريني الأقل تنافسية بين اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. فقد حلت البحرين في المرتبة رقم 37 دوليا في التقرير الأخير ومصدره المنتدى الاقتصادي العالمي ومقره سويسرا. في المقابل، حلت كل من قطر والسعودية والإمارات في المراتب 14 و17 و27 على التوالي. وفيما يخص القدرة على استقطاب الاستثمارات، تدنت قيمة الاستثمارات الأجنبية الوردة إلى البحرين من 257 مليون دولار في 2009 إلى 156 مليون دولار في 2010. هذا ما كشفه تقرير الاستثمار العالمي للعام 2011، ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). وحديثا فقط، اعترف الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة في تصريح علني باستقطاب البحرين استثمارات أجنبية قدرها 300 مليون دولار في 2011 أي في سياق تقرير المنظمة الدولية. بالعودة للوراء، استقطبت البحرين استثمارات أجنبية مباشرة قدرها 1.8 مليار دولار في العام 2008. ولأغراض المقارنة، استقطبت السعودية وقطر استثمارات أجنبية مباشرة قدرها 28 مليار دولار و5.5 مليار دولار على التوالي في العام 2010. لا شك، تعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي طويلة الأجل مثل الاستثمار في العقارات وإنشاء المصانع مقياسا على مدى وجود ثقة من قبل المستثمرين الأجانب في اقتصادات الدول الأخرى.وعلى هذا الأساس أصبح الدعم الاقتصادي السعودي ضروريا للاقتصاد البحريني وهو خيار متوفر لدى المملكة العربية السعودية. ويمكن الاستشهاد بمثالين للتدليل على الدعم السعودي وتحديدا إفساح المجال أمام شركة طيران الخليجي لتسيير رحلات منتظمة إلى مدن سعودية ليست في متناول الشركات وتحديدا القصيم والطائف وينبع فضلا عن استضافة المنامة لفضائية تابعة للوليد بن طلال. حقيقة القول، بات تقديم العون لطيران الخليج مسألة في غاية الأهمية بالنظر لتكبد الشركة لخسائر مالية لعدة سنوات متتالية. فقد خسرت الشركة نحو نصف مليار دولار في 2010 أي ما يساوي قرابة 7 في المائة من مصروفات القطاع العام للسنة نفسها ما يشكل عبئا على المالية العامة للبحرين. وفي حال بدء تطبيق التوسعة في السوق السعودية، سوف يرتفع عدد رحلات طيران الخليج إلى 7 مدن سعودية إلى 70 رحلة أسبوعية أي الأكبر بين ناقلات دول مجلس التعاون الخليجي. ومن شأن هذا التطور تعويض جانب من الخسارة التي منيت بها شركة طيران الخليج والمملوكة بالكامل لحكومة البحرين بسبب وقف تسيير رحلات منتظمة لكل من إيران والعراق. يشار إلى أن السلطات البحرينية هي من أوقفت الرحلات إلى المدن الإيرانية العراقية كنوع من عقاب للموقف المؤيد لكل من طهران وبغداد للتطورات السياسية التي شهدتها البحرين مطلع العام 2011. المساعدة الاقتصادية السعودية الأخرى عبارة عن الإعلان عن احتضان المنامة لمشروع قناة العرب التابعة للملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال. ومن شأن هذا التطور تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد البحريني عبر بوابة الإعلام وما لذلك من تأثيرات إيجابية على قطاعات أخرى في مجال الخدمات. ويتزامن هذا التطور اللافت مع تدشين مشروع المنامة عاصمة للثقافة العربية للعام 2012. يضاف لذلك قيام جهة فرنسية بإعادة تنظيم قطاع الإعلام في البحرين وهو من متطلبات مشروع المصالحة الوطنية في البلاد. وفي هذا الصدد، وجه تقرير لجنة تقصي الحقائق انتقادات لاذعة للإعلام الرسمي في البحرين متهما إياه بلعب دور سلبي خلال الأحداث التي عصفت بالبلاد. طبعا، هناك 10 مليارات دولار على شكل معونة اقتصادية من دول مجلس التعاون الخليجي لكل من البحرين وعمان بقيمة مليار دولار سنويا ابتداء من 2011. حقيقة القول، لا تتوفر معلومات محدثة ذات مصداقية فيما يخص هذا الدعم بسبب معضلة نقص الشفافية. لكن ليس من المستبعد قيادة السعودية للدعم الخليجي للبحرين بالنظر لطبيعة العلاقة بين البلدين. باختصار، باتت البحرين أكثر اعتمادا ليس فقط سياسيا بل اقتصاديا على السعودية كنتيجة مباشرة لطريقة إدارة الأزمة التي طفحت للسطح في فبراير 2011. بل تشير بعض التقارير الصحفية إلى تأكيد رغبة كل من السعودية والبحرين في تحقيق متطلبات مشروع الاتحاد الخليجي والذي تم طرحه خلال قمة الرياض نهاية 2011. ويكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة بين البلدين الجارين بالنظر لاستضافة المنامة القمة الخليجية رقم 33 نهاية العام الجاري. وربما يكون الاقتصاد هو المدخل لمشروع الاتحاد الخليجي.