15 سبتمبر 2025

تسجيل

هيهات.. ما كل البكا خور

12 يناير 2012

حادث أليم ذهب فيه طالب في الجامعة مخلفا جرحا غائرا في قلب أبويه، حضرنا العزاء وأحببت أن أخلو قليلا بوالد الشاب أواسيه وأصبره بما يستوجب المقام وما يليه الدين وقد كان، خلونا بالرجل الذي حاول جاهدا أن يبدو متماسكا في غالب الحديث، وبعفوية تحدث عن حبه لهذا الولد وفي غفلة من مثابرته سقطت دمعته التي ما كان يتمني أن يراها الحاضرون (كأنها عورة ينبغي أن تستر)، الشاهد أن الوالد حين وقعت دمعته ذهب إليه أخوه ليخبره أن هذا لا يصلح وما ينبغي أن يراك الناس تبكي! فقلت متعجبا منه: يا أخي إن ما فعله أخوك هي فطرة الله التي فطر الله الناس عليها، وغير ذلك هذا الذي ينبغي أن يتعجب منه، العجب ليس في بكائه على فراق فلذة كبده، العجب منك أنت الذي تحاول أن تحارب فطرتك، باسم العيب أو الرجولة أو الفحولة أو أي الأسماء زعمت، وليس هذا من ديننا في شيء، إن البكاء لا ينافي الرجولة البتة، وإذا كنا نتفق على أن القدوة المثلى والأسوة المتبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعني أحدثك عنه، لقد اشتكى يوما سعد بن عبادة من مرض ألم به، فأتى إليه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله — فظن أنه مات — فقال صلى الله عليه وسلم (قد قضى) أي أجله. قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا.. فقال: ألا تسمعون: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا أو يرحم — وأشار إلى لسانه —. وانس بن مالك رضي الله عنه يروي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له قبيصة بن المخارق، فقال له النبي: يا خالاه أتيتني بعدما كبرت سنك، ورق عظمك واقترب أجلك. فقال: يا نبي الله أتيتك بعدما كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي وافتقرت فهنت على الناس قال فبكى النبي لقوله افتقرت فهنت على الناس". إنها الرحمة أخي التي أودعها الله قلب عباده، بل أحدثك أكثر من ذلك، لقد كان العرب يفتخرون بما تدعيه أنت عيبا ينبغي أن يستر ويرون أن حسن العاطفة من المكارم التي ينبغي أن تنشر فهذا الطرطوسي يقول: لو كان يدري الابن أية غصة يتجرع الأبوان عند فراقه أمٌ تهييج بوجده حيرانة وأب يسح الدمع من آماقه يتجرعان لبينة غصص الردى ويبوح ما كتماه من أشواقه لرثى لأم سلّ من أحشائها وبكى لشيخ هام في آفاقه ولبدل الخلق الأبي بعطفه وجزاهما بالعطف من أخلاقه. إنها الرحمة والرأفة التي وضعها الله في قلوبنا فلا تحارب فطرتك يا أخانا.