12 سبتمبر 2025
تسجيللفتني في استمرار تعليقي على فعاليات مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر-كأستاذ وباحث في العلوم السياسية والاجتماع السياسي ظواهر عديدة تحتاج لتعليق وتحليل لما لها من دلالات ورسائل واسقاطات وكذلك دروس ومفاهيم. علقت في عدة مقالات في الأسابيع الماضية على هذا الحدث التاريخي الفريد بعيداً عن تأثير الساحرة المستديرة رياضياً، مما شهدناه في الأسابيع الثلاثة الماضية. من تفرد هذا المونديال الذي يقام على أرض عربية وتجري جميع مبارياته للمرة الأولى في مدينة واحدة، العاصمة-الدوحة- ويجري المونديال في فصل الشتاء وليس فصل الصيف كما هي العادة لـ21 كأس عالم-ويُمنع بيع الكحول في المباريات. وسط استحسان المشجعين. كما كان مبهراً برغم خروج المنتخب القطري، حسن التنظيم والإعداد والتميز في الاستضافة وحضور قيادات الدولة وتشجيع سمو الأمير والأمير الوالد المنتخبات العربية والتوشح بوشاحها.. كذلك كان ملفتاً الأداء الاستثنائي للمنتخبات العربية-والالتفاف العربي والإسلامي الرائع في تشجيع ودعم المنتخبات العربية التي تميزت بتحقيق انتصارات هزمت بها منتخبات عالمية تتبوأ المراكز الأولى في ترتيب المنتخبات العالمية ومنهم أبطال العالم وفائزون بكأس العالم أكثر من مرة. كما كان ملفتاً وصادماً ومعيباً تسييس الرياضة باستمرار التطاول وحملة الافتراءات ضد قطر والإصرار على إظهار شارات المثليين والشواذ ومناقشة وضع حقوق العمال الوافدين، لكنهم كانوا قلة وباءت محاولاتهم بالفشل والخسارة والمغادرة. ولم يكن للحملة المعادية أي تأثير، بل كان أكبر رد عليها، متعة الأداء وتميز المباريات في مرحلة دور المجموعات وربع النهائي مع التطلع لمباريات أكثر إثارة ومتعة مع الانتقال لدور نصف النهائي. وشعرنا جميعاً بالفخر والحماس ببلوغ منتخب المغرب ممثل العرب والأفارقة وأول منتخب عربي لربع النهائي. أفرزت مباريات كأس العالم في قطر، ظواهر مهمة ومتفردة تستحق التعليق عليها، والتي لم تكن لتحدث لو كانت الدولة المضيفة غربية أوروبية أو أمريكا أو آسيوية اليابان وكوريا أو لاتينيةـ البرازيل والأرجنتين أو المكسيك! ما كشفه مونديال قطر هو تعطش الشعوب العربية للانتصارات بعد إدمان الخسائر. صحيح أن انتصارات كرة القدم لا تعوض سلسلة خسائرنا فرادى وجماعة، لكن لها مفعول السحر في توحيد الشعوب العربية التي فرفتها الخلافات والسياسة. شهدنا وشاركنا جميعاً في احتفالاتنا بفوز المنتخبات العربية. لا نرى تلك الحماسة في الاجتماعات السياسية للزعماء. لا تلهب المشاعر والحماس أجندات وجداول أعمال وقرارات الأنظمة العربية ولا تلهم تطلعات الشعوب العربية التي تعبت من إدمان الخسائر والخذلان وجلد الذات. كانت مفرحة وملفتة أهازيج الفرح الغامر من الخليج إلى المحيط بانتصارات المنتخبات العربية المبهرة وخاصة هزيمة المنتخبات العالمية. استمتعنا بصدمة الصهاينة مشجعين وإعلاميين من حجم رفضهم ونبذهم ورفض دمجهم في المحيط العربي الطارد لهم من الجماهير العربية المحتشدة في الدوحة، وحجم الازدراء والنبذ ورفض دمجهم وسط المحيط العربي الصاخب حتى من شعوب الدول التي طبعت أنظمتهم مع الصهاينة أو الدول التي تفكر بالتطبيع تحت الطاولة باتت محرجة ومترددة. ما يؤكد صحة موقف الدول العربية والإسلامية التي ترفض التطبيع ونفتخر بموقف الكويت التي ترفض بإجماع رسمي وشعبي أي شكل من أشكال التطبيع. ما يبقي إسرائيل جزيرة منبوذة معزولة، ويعمق أزمة انتمائها الإقليمي. من الظواهر المعبرة والملفتة التي جسدتها استضافة قطر لكأس العالم، التفاف الشعوب حول القضية الفلسطينية التي يكرر الحكام العرب أنها القضية العربية المركزية-لكن الشعوب والجماهير العربية رفعت العلم الفلسطيني وخاصة منتخب المغرب بعد فوزه رفع وطاف بعلم فلسطين، ولم يعبأ بعقوبات الفيفا التي تمنع إظهار أي شعارات سياسية! كما كانت ظاهرة فخر الانتماء واستغلال حضور الجماهير من مختلف دول العالم بتجسيد والترويج للتعريف بالشريعة والحضارة الإسلامية والتراث والعادات وحسن الضيافة والتقاليد والأطعمة العربية. والدخول إلى المساجد والاستماع بإعجاب لترتيل القرآن الكريم والأذان. وكذلك التعريف بالإسلام لمئات آلاف الزوار والضيوف والمشجعين الذين حضروا من مختلف دول العالم إلى الدوحة.. وتجربة النساء والفتيات الاجنبيات وضع الحجاب بفرح ورحابة صدر من متطوعات.. حتى اعتنق عدة مئات من المشجعين والزوار الإسلام عن قناعة بعدما شرح الله قلبهم وهداهم. وكذلك كان هناك إجماع بالشعور بالراحة والأمان التي يفتقدها الكثيرون في بلادهم. وعبر كثير من المشجعين بسعادتهم بالأمان وغياب الجرائم والسرقات والاعتداءات التي تشهدها الدول التي تستضيف كأس العالم. كما أشاد الكثيرون بمنع قطر تناول الكحول في المباريات. هذه الوقائع ساهمت لا شك بتصحيح الصورة المقولبة السلبية عن العرب والمسلمين في أذهان وعقول المجتمعات الغربية والشرقية التي رسختنها الاسلاموفوبيا وأفلام هوليوود والمسلسلات التي شوهت صورة العرب والمسلمين وقرنتها بالإرهاب واضطهاد النساء والحروب والعنف والفشل في تحقيق انجازات وانتصارات! المؤسف والمعيب كانت انتقادات ليبراليين عرب ممن يغردون خارج السرب وبأجندة، انتقادهم بشكل مستفز توظيف «تجار الدين» استغلال مونديال كأس العالم في قطر للترويج وللتعريف بالإسلام متناسين أن الأميركيين يذهبون لأفريقيا لتنصير الشعوب هناك دون انتقاد سلوكهم وممارستهم ووصفهم بتجار دين! كذلك ساهمت استضافة قطر لمونديال كأس العالم بانبهار الزوار والمشجعين بما عاشوه وشاهدوه من تطور وحداثة النهضة العمرانية والملاعب الأحدث وشبكة المواصلات وحسن الضيافة وسهولة التنقل والقدرة على حضور أكثر من مباراة واحدة في مدينة واحدة هو حدث استثنائي لم يحدث من قبل ومن المؤكد لن تحدث مستقبلاً في الدول الكبيرة. تصوروا لو كأس العالم كانت تستضيفه دولة وقارة أخرى، لم يكن ليتحقق أي من ذلك! انجازات رائعة يشكر عليها منظمو كأس العالم. شكراً قطر على النجاح والتميز والإنجازات وتصحيح النظرة السلبية عن العرب والمسلمين وتوحيد شعوبنا العربية!