17 سبتمبر 2025
تسجيلتعتبر دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول المساهمة في تحويلات العمالة المغتربة الأمر الذي يضيف للمكانة الاقتصادية العالمية للمنظومة الخليجية. وتساهم الأموال المحولة والتي تقدر بمليارات الدولارات بتعزيز مستوى المعيشة لملايين البشر في العديد من دول العالم خصوصا تلك الواقعة في وجنوب شرق آسيا.دليلنا على ذلك الأرقام المنسوبة للبنك الدولي بخصوص الهجرة العالمية والتحويلات حيث توقع تقرير حديث أن تبلغ قيمة التحويلات المقدمة من دول مجلس التعاون الخليجي الست قرابة 70 مليار دولار في 2011. ويعد هذا الرقم ضخما كونه يمثل أكثر من 17 في المائة من قيمة الأموال المحولة على مستوى العالم في 2011 وقدرها 406 مليارات دولار. يعتبر الرقم الكلي كبيرا بالنسبة لحجم اقتصادات دول مجلس التعاون حيث يشكل نحو 7 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي على افتراض أن الحجم الكلي للاقتصاد الخليجي في حدود تريليون دولار أو ألف مليار دولار. بالمقارنة، تشكل الأموال المغادرة من الولايات المتحدة أقل من 1 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي. في التفاصيل، تتصدر السعودية الدول الخليجية فيما يخص الأموال المحولة في العام 2011 حيث تقدر بنحو 27 مليار دولار وتليها الإمارات بواقع 17 مليار دولار ثم الكويت في حدود 13 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، يتم تحويل مبلغ قدره 6 مليارات دولار من قطر وعمان فضلا عن ملياري دولار من البحرين. حقيقة تعتبر السعودية ثاني أكبر مصدر للأموال المرسلة للخارج بعد الولايات المتحدة. يضيف هذا الأمر ميزة أخرى للسعودية والتي بدورها تتربع على عرش أكبر مصدر للنفط الخام عن طريق مساهمتها بنحو 13 في المائة من الإنتاج العالمي.ويعتقد بأن الرقم الفعلي للأموال المغادرة من دول الخليج أكبر من المعلن عنه حيث يفضل البعض إرسال الأموال خارج الأطر المصرفية المعروفة ربما تفاديا لدفع رسوم التحويل والفرق في شراء وبيع العملات أو لعدم ثقتهم في الأنظمة المصرفية. ويضاف لذلك خروج أموال نقدية أثناء سفر العمال.حقيقة القول، تتميز دول مجلس التعاون بتوفيرها سبل العيش الكريم لملايين الأشخاص من مختلف بقاع العالم. يعمل في دول المجلس قرابة 14 مليون عامل وافد غالبيتهم من آسيا وتحديدا جنوب آسيا مثل الهند وباكستان وجنوب شرق القارة مثل الفلبين. ويعمل السواد الأعظم من العمالة الوافدة في السعودية والإمارات بنحو 6 ملايين و3.8 مليون عامل على التوالي. ويحق لدول مجلس التعاون الخليجي الزعم بأنها من أكثر المناطق استضافة للأجانب. فحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، يشكل الوافدون عمالا وأفراد أسر نحو 88 في المائة من السكان في الإمارات وقطر فضلا عن 69 في المائة في الكويت و52 في المائة في البحرين أي أكثرية السكان في أربع دول خليجية. بل تستقطب إمارة دبي عمالة لأكثر من 100 دولة في العالم الأمر الذي يساهم في التنوع الثقافي للإمارة وتميزها على مستوى العالم. للأسف الشديد لا توجد إحصاءات يعتمد عليها فيما يخص الدخل السنوي للعمالة الأجنبية حتى يتسنى لنا الوقوف بشكل دقيق على الأهمية النسبية للأموال المرسلة للخارج. ويعود هذا التقييد بشكل جزئي لغياب نظام ضريبي يلزم الإفصاح عن الأموال المكتسبة. نقول ذلك بالنظر لبعض التصرفات والمعاملات غير المسجلة في النشاط الاقتصادي. والإشارة هنا إلى تعمد بعض الأجانب لكسب المال عبر طرق ملتوية مثل توفير خدمة غسيل السيارات في المجمعات فضلا عن المواصلات لأبناء جلدتهم دون الحاجة لتسجيل القيم المالية لهذه الخدمات. كما يقوم بعض الأجانب بتنفيذ أمور غير مرخص لها مثل خدمة الطعام من منازلهم لزبائن دائمين وبأسعار أقل من تلك السائدة في السوق. وعليه يشكل عدم وجود رصد دقيق لبعض الخدمات التي يقوم بتنفيذها بعض الأجانب ما يذهب إليه البعض بأن الحجم الفعلي للاقتصاد الخليجي ربما يكون أكبر مما هو منشور أو يعتقد. يندرج في هذا الأمر مساهمة العمالة المنزلية حيث ليس من اليسير وضع قيم تقديرية لهذه الخدمة الحيوية. مؤكد يرغب الأجانب بإرسال أموالهم لأوطانهم بدل استثماراها محليا وهو حق أصيل ومكتسب لا غبار عليه. لكن المطلوب من السلطات في دول مجلس التعاون تعزيز الفرص الاستثمارية للعمالة المغتربة وبالتالي تدوير جانب من الأموال في القطاعات الاقتصادية المحلية. بل يقتضي الصواب تشجيع العمالة الأجنبية لاستثمار جانب من الأموال التي يحصلون عليها على أدوات استثمارية متنوعة داخل دول المجلس ما يتطلب منحهم بعض المزايا فيما يخض شراء العقارات والأسهم. وفي كل الأحوال، ليس من اليسير إقناع العمالة المغتربة باستثمار أموالهم المكتسبة في السوق المحلية مقابل حصولهم على مزايا عند استثمار أموالهم في أوطانهم. وفي هذا الصدد، توفر السلطات الهندية معاملة خاصة لرعاياها العالمين في الخارج من قبيل الحصول على إعفاءات ضريبية في حال فتح حسابات مرتبطة بالمصارف الهندية المنتشرة في دول الخليج. والحال نفسه ينطبق على الفلبين حيث توفر لهم السلطات فرص شراء منازل في الوطن الأم عبر حسابات معفوة من بعض الضرائب أو تدفع أقل المعدلات السائدة في الحسابات العادية. بيد أنه تواجه السلطات الفلبينية معضلة إقناع عمالتها في الخارج بالادخار نظرا لميل جالياتها المنتشرة نحو الصرف من أجل الاستمتاع. ختاما، تجني بعض الدول المصدرة للعمالة أموالا ضخمة وهي غير ملامة للمحافظة عليها. فحسب البنك الدولي، تتصدر الهند والصين والمكسيك والفلبين الدول المستقبلة للتحويلات وتحديدا 58 مليار دولار و57 مليار دولار و24 مليار دولار و23 مليار دولار على التوالي.