14 سبتمبر 2025
تسجيللا أحد يستطيع الهروب من قدره، حتى وإن صرف كل ما في جيوب العمر من لحظات ودقائق وتَصَرَّف بكل ما يملكه فقط؛ كي يحظى بفرصته مع أول محطة ستنقله بعيداً حيث الراحة الوهمية، التي قد تبدو مغرية في تلك اللحظة، غير أنها -وللأسف الشديد- لن تظل كذلك وسرعان ما ستتلاشى؛ لتظهر أمامه تلك الحقيقة التي سبق له وأن فر منها بعد أن أجبره على فعل ذلك الجهل ومن بعده التجاهل، وكل ما سبق وأن كان له بسبب جملة من الظروف الغامضة، المُلتزمة بمهمة منعه من التركيز على ما يجدر به فعله، وهو ذاك الذي سيعود بنا ومن جديد إلى نقطة البداية، حيث تلك الحقيقة- التي وإن ركز عليها؛ لكُتب له الفوز بالكثير وعلى رأس القائمة (نفسه)- وهي: أن ما يهرب منه كل الوقت ما هو سواه قدره، الذي كُتب له على ظهر صفحة يحفظها الغيب حتى حين، لا حق له بأن يكون حتى يأذن الله بذلك، وكل ما عليه فعله هو تقبله بدلاً من إيجاد الفرص للهروب منه وقطع مسافات طويلة ستقطع أنفاسه، وستقضي على نبضات قلبه قبل أن تصل به حيث يريد، أي حيث تكون تلك الراحة الوهمية السالف ذكرها، والتي ستجره إليها غير أنه لن يتمكن من الإمساك حتى بطرف ذيلها؛ لتكون نهاية الحكاية التعيسة التي لن يدركها سواه، وكان من الممكن أن يحظى بدور البطولة بين صفحات حكاية أخرى إن تمتع بشيء من العقل وأدرك الصواب منذ البداية المُطلقة. إن الهروب من أي موقف مريب من الممكن بأن يُحيط بالمرء ليس بالخيار الصائب دون شك، ولكنه ما يكون منه عادة حين تنفذ الحلول، ويخلع العقل ثوب الحكمة، ويكتفي الوضع من كل المحاولات الهزيلة فيتجرد من كل شيء سواه الخوف، الذي لا يُجيد فعل أي شيء سواه التأكيد على ضرورة الهروب من الموقف، والتهرب من النتائج التي سيبدو الخلاص منها صحياً، في حين أنه لن يكون كذلك؛ لأنه وباختصار شديد جداً ما سيزيد الطين بلة، وسيتسبب بمشاكل أكبر وأكثر، وإن كان ذلك على المدى البعيد، الذي وإن تمكن صاحبنا من التهرب منه إلا أنه سيلتقي به ذات يوم دون شك. لكل واحد منا مخاوفه التي تُبقيه بعيداً عن أحلامه، وإن كان ذلك لخطوات قد لا تبدو جلية بالنسبة لغيره، ولكنها كذلك بالنسبة له وإن لم يكن لينبس بحرف واحد، والحق أن ما سيحدث حينها سيجعل معاناته داخلية قائمة على ظهر صراع داخلي لابد وأن ينتهي، وسينتهي فعلاً متى أصر على ذلك وأخذ مني التالي: -حين تشعر بأن هناك ما يحاصرك ويُسلمك للزاوية خذ نفساً عميقاً؛ كي تهدأ وتتمكن من معرفة ما يحدث لك. - بعد أن تستوعب الموقف فكر جيداً، ورحب بكل محاولة تطرق بابك دون أن تمنعها من الدخول، حتى وإن بدت لك هزيلة وغير قادرة على المساعدة. - قد تبدو لك وفي مرحلة (ما) كل تلك المحاولات وكأنها غير مجدية، وقد يبدو ذلك مُقنعاً، ولكن كن على ثقة بأنه ما سيفقد حجته متى سقطت الأقنعة وظهرت الحقيقة كاملة، وهي تلك التي تؤكد على أنك تستطيع إنقاذ نفسك بنفسك، وكل ما عليك فعله هو إعلان لحظة المواجهة. - حين تقرر المواجهة، وتواجه كل ما يُثير في نفسك الخوف ستكون كمن قطع نصف المسافة، وما عليه سوى التفكير بالنصف الآخر الذي سيصل به إلى بر الأمان وموطن الراحة الأبدية (لا) تلك الوهمية. الخوف حقك المشروع، ولكن؟ (نعم) من حقك أن تشعر بالخوف، ومن المتوقع بأن ترجع بخطواتك إلى الوراء؛ استعداداً منك لهروب مفاجئ، ولكن (لا) لا تفكر بذلك أبداً؛ لأنك وإن فعلت فستظل تهرب دون توقف حتى يقترب أجلك وتُعرض حياتك على (شريط من الذكريات) ستدرك من خلاله أنك لم تدرك من الحياة أي شيء يُذكر سواه الهروب، الذي لن تذكر من تفاصيله وتتذكر سواه الخوف، فهل هو هذا ما تستحقه فعلاً؟ بالطبع لن ترغب بتلك النهاية، كما أنك لن تقبل بمواجهة ما يفوقك حجماً بحسب ما تعتقد (ودون تردد)، وبين هذا وذاك ستكون قد أوشكت على تسليم عقلك لحبل المشنقة؛ لذا ومن قبل أن يكون، لك هذه الكلمات: لا تقف حيث أنت وتفتح الباب لغيرك؛ كي يقتحم حياتك ويفرض عليك ما يريد، ولا تسلم وتستسلم للخوف أبداً؛ لتتحول مخاوفك لعجلة قيادة في يد كل عابث لا تهمه مصلحتك، ولكن قف بثبات وواجه حتى النهاية، ويكفي أن تكون نهايتك هي تلك النهاية المُشرفة التي لا تليق إلا بالأبطال.