14 سبتمبر 2025
تسجيلكثيراً ما نجد أنفسنا نتقبل أموراً كنا نستهجنها من زمان مضى، وما نستهجنه اليوم من أمور حياتية وربما قناعات أو أكثر من ذلك قد يأتي يوم ونتقبله، وهكذا.. يوماً بعد يوم تتبدل المعايير التي نقيس عليها ما يمكن أن نتقبله من أمور وما نعتبره قيد المستحيل، وليس ذلك صدفة أو خبط عشواء، فالسلوك عبارة عن مرآة للتصورات والقناعات التي قد تعاند أحيانا تيار الواقع فيضطر غير آسف أن يكسرها إذا لم تكن تحوي في جوهرها اكسير المرونة، الذي يضمن لها البقاء كما يحدث مع كريات الدم في جولتها بين الشرايين وحين تصل لمعبر الكبد الذي يوجب عليها أن تتمتع بمرونة فائقة وتغير من شكلها لحظياً فتصبح بيضاوية لتتمكن من المرور عبره ثم تعود سريعاً لكرويتها التي فقدتها إلى أجل.. وإلا فإنها إن فقدت لزوجتها فسوف تواجه صراعاً عند باب الكبد.. لتترك الجسد مريضاً يحتاج لتبديل الدماء.. فهل أنت كتلك الكرة الدموية العنيدة التي لا تقدر على التعاطي مع الواقع المحيط بها فتتكسر؟ أم تراك كتلك الأخرى اللينة لدرجة فقد شكلها وهويتها ومعالمها؟ أم أنت كالكرة الدموية السليمة التي تحافظ على شكلها الكروي وحين تمر دورتها بمعبر يستوجب تغيير شكلها فإنها تغيره لحظياً لتعود بعده لشكلها الأول ودون أن تفقد شيئاً على تلك البوابة؟ إن القوة والأصالة والتميز يكمن في القدرة على المحافظة على المبادئ والقيم السامية وعدم الرضوخ والتمييع مع المحيط دون ضوابط. فقد تجبر معايير الأحداث والظروف القاهرة أحدنا على أن يغير من شكله ولو للحظات ولكن سرعان ما يعاود الرجوع لشكله الأصلي ودون أن ينصهر ويفقد أياً من معالم هويته. قد نواجه أحداثاً قوية تعصف بنا ولكن لابد بأن نتمسك بالمنهج الوسط (لاتكن صلباً فتكسر ولا ليناً فتعصر) وكما قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (عليكم بالنمط الأوسط يرجع اليه الغالي ويلحق به التالي) فلابد من ان يصل من يتبع هذا المنهج إلى المحطة التي يريدها وبعدها سيكمل طريقه ليبقى شامخاً كما السنبلة التي لا تنحني الا حين تكون مثقلة..ولكنها لحظة الإنحناء تعانق الأرض لتزرع في رحمها سنابل مقبلة.. ومضة: إلى من يناضل في بيئة لا تحوي سلامة الطبع ولا المنهج القويم قيل إن السباحة ضد التيار غالبا ما تعني أنك في المسار الصحيح بعيداً عن الجرف.