11 سبتمبر 2025

تسجيل

الملكة إليزابيث الثانية.. نهاية حقبة طويلة وإرث لن يتكرر

11 سبتمبر 2022

تشكل وفاة الملكة إليزابيث الثانية -ملكة المملكة المتحدة وزعيمة دول الكومنولث في الثامن من سبتمبر 2022 عن 96 عاماً بعد حكم دام 70 عاماً-منذ كان عمرها 25 عاماً عام 1953، على التاج البريطاني نهاية حقبة تاريخية حافلة، لأطول حكم لفرد من الأسرة الحاكمة البريطانية على مدى أكثر من 1000 عام. حظيت تغطية الوفاة بتفاعل واسع وغير مسبوق، على مدار الساعة. وساهمت وسائط التواصل بإعطاء الوفاة تغطية أوسع وأشمل. ما همش بقية أزمات ومشاكل العالم كحرب أوكرانيا وتقدم القوات الأوكرانية- وزيارة وزير الخارجية الأمريكي لكييف وتقديم 2 مليار دولار حزمة مساعدات إضافية لأوكرانيا. واقتصرت الأخبار العاجلة والأحداث العالمية على مدار الساعة، على "وفاة الملكة إليزابيث" وتنصيب الملك تشارلز الثالث وصدمة البريطانيين. وكأن شعوب العالم بأسره صاروا بريطانيين! ستُعرف حقبة وإرث الملكة اليزابيث بأخر حقبة لبريطانيا العظمى. في عهدها من مطلع الخمسينيات حتى اليوم- تحولت بريطانيا العظمى إلى المملكة المتحدة وزعيمة أحد أكبر التكتلات العالمية "رابطة دول الكومنولث"-56 دولة- مستعمرات بريطانية- في جميع قارات العالم بعدد سكان 2.5 مليار نسمة- فيما كان يُعرف بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس والسيطرة والتحكم في موارد ثلث العالم. انتقلت بريطانيا العظمى في عهد الملكة اليزابيث بعد حربين عالميتين قبل تسلمها منصبها، ومشاركتها في الحرب العالمية الثانية متطوعة- ومعاصرتها الحرب الباردة بين الغرب والشرق، بنهاية الإمبراطورية والتحول إلى المملكة المتحدة (بريطانيا-اسكتلندا-ويلز وشمال إيرلندا) وخفض مكانة ونفوذها إلى دولة من الدرجة المتوسطة في التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وصراع الثنائية القطبية العالمي إبان الحرب الباردة- في النصف الثاني من القرن العشرين، فيما عُرف بالقرن الأمريكي. تزامن ذلك مع اعتلاء الملكة اليزابيث عرش التاج البريطاني عام 1952. وامتلاك السلاح النووي ومقعد دائم في مجلس الأمن وحق الفيتو، وثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي، وعضو فاعل ومؤثر في حلف الناتو. شهدت حقبة الملكة اليزابيث في منطقتنا من المتوسط إلى الخليج العربي بالتراجع والانسحاب من المنطقة (شرق السويس بعد العدوان الثلاثي على مصر 1956). وبرغم أن الملكة والأسرة الحاكمة في المملكة المتحدة تملك ولا تحكم في ملكية دستورية، إلا أن الملكة عاصرت 15 رئيس وزراء بريطاني بينهم ثلاث سيدات من ونستون تشرشل إلى ليز تراس- والمفارقة أن الملكة اليزابيث كلفت تراس بتشكيل الحكومة 56 في تاريخ بريطانيا قبل يومين من وفاتها في آخر ممارسة لصلاحياتها الدستورية. كان الإرث الأصعب والأكثر إيلاماً للعرب، زرع بريطانيا إسرائيل وسط عالمنا العربي في فلسطين-بوعد بلفور المشؤوم عام 1917-( رئيس وزراء سابق ووزير الخارجية البريطاني)- بدعم بريطانيا تأسيس وطن قومي لليهود- ومنح من لا يملك لمن لا يستحق)- وزرع بذرة الصراع العربي الإسرائيلي بمنح موطئ قدم للصهاينة في أرض فلسطين العربية. والمفارقة، زارت الملكة 120 دولة بينها 13 دولة عربية، لكنها لم تزر إسرائيل أبداً! هل لتكفر عن ذنب بلدها؟! وقبلها، كرست اتفاقية سايكس بيكو الهيمنة والانتداب والتحكم البريطاني- والفرنسي باقتسام تركة الدولة العثمانية-الهلال الخصيب-سوريا ولبنان لفرنسا وفلسطين والعراق والخليج العربي لبريطانيا العظمى. في عهد الملكة اليزابيث تراجع الحضور البريطاني في العالم العربي بعد العدوان الثلاثي على مصر-1956-والانسحاب من شرق السويس-بدءاً من الكويت عام 1961-وانهاء اتفاقية الحماية لعام 1899. وصولاً لانسحاب بريطانية من الدول الخليجية-البحرين-قطر-الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان عام 1971. وذلك بسبب انكفاء بريطانيا عن مناطق نفوذها التاريخية، والأزمة المالية وانهيار الجنيه الإسترليني، لترث أمريكا التركة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط ويدشن الحضور العسكري والنفوذ الأمريكي في المنطقة. لكن تركت بريطانيا ألغاماً وقنابل موقوتة بترسيم حدود جغرافية جائرة وجزر متنازع عليها جغرافيا في المنطقة، رسمها المندوبون الساميون البريطانيون على خرائط دون المعاينة الشخصية على الأرض! شهد عهد الملكة اليزابيث الكثير من المتغيرات والتحديات وست حروب كبرى وإقليمية من كوريا وفيتنام إلى حروب وعدوان إسرائيل واحتلال الكويت، وإسقاط نظام صدام حسين، وحرب أفغانستان وانتهاء بحرب روسيا على أوكرانيا..وتغيرات بنية وتركيبة النظام العالمي بسقوط الاتحاد السوفيتي وتسيد أمريكا النظام العالمي. وانضمام بريطانيا المتأخر (تنظر لنفسها جزيرة كبيرة في غرب أوروبا)- إلى الاتحاد الأوروبي-وخروجها منه، نتيجة لاستفتاء البريكست عام 2020! كما عايشت جائحة كورونا! تركت الملكة اليزابيث إرثاً واسعاً لخليفتها، أصبح بعد تنصيبه يوم وفاة الملكة-الملك تشارلز الثالث. أطول ولي عهد انتظاراً وخبرة ليتبوأ العرش-وأكبر ملكاً عمراً عند تنصيبه- 74 عاماً- بينما كان عمر الملكة اليزابيث عند اعتلائها العرش 25 عاماً. سيجد الملك تشارلز نفسه برغم كونه أشهر ولي عهد في العالم وعلاقاته مع قادة العالم، محاطاً بأزمات وتحديات أبرزها طمأنة شعبه، وحل الأزمات، والعلاقة مع الأوروبيين، وحرب أوكرانيا وتوثيق العلاقة مع الأمريكيين. في وقت يتراجع حضور ودور ونفوذ بريطانيا أوروبياً ودولياً! وذلك برغم لعب بريطانيا لدور قيادي في حرب أوكرانيا في مواجهة الغزو والاحتلال الروسي لأجزاء من أوكرانيا- أحرج الأوروبيين وخاصة ألمانيا وفرنسا. زار بوريس جونسون أوكرانيا ثلاث مرات، وربما تكون أول زيارة خارجية لرئيسة وزراء بريطانيا الجديدة تراس إلى أوكرانيا. سيكون مستحيلاً على الملك تشارلز تكرار إنجازات إرث والدته الملكة اليزابيث، لتغير الظروف والمعطيات وتراجع دور بريطانيا من إمبراطورية في نهاية عصرها الذهبي عند اعتلاء عرش المملكة المتحدة قبل 70 عاماً، وقصر مدة حكمه، مقارنة بمدة حكم والدته، وتراجع دور ونفوذ بريطانيا اليوم، ونهاية "استراتيجية فرّق تسد"، وتحول بريطانيا من إمبراطورية إلى قوة من الدرجة المتوسطة.