28 أكتوبر 2025
تسجيلفي التاريخ العربي وتحديدا في القرن الثامن الهجري أراد الشيخ اليماني عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي الحج وكان مريضا لا يقوى على السير، فحملوه على جمل والشوق يصارع الفيافي قبله، ويستبطئ السير على سرعته، فلما كان على بعد خمسين ميلاً من المدينة هبت نسائم مكة، فصعّد الشوق إليها لكن مرضه أقعده فقال مناجيا:يا راحلين إلـى منـى بقيـادي *** هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي سرتم وسار دليلكم يا وحشتـي *** الشوق أقلقني وصوت الحـادي وحرمتموا جفني المنام ببعدكـمي *** ا ساكنين المنحنـى والـوادي ويلوح لي مابين زمزم والصفـا *** عند المقام سمعت صوت منادي ويقول لي يانائما جـد السُـرى *** عرفات تجلو كل قلب صـادي من نال من عرفات نظرة ساعة *** نال السرور ونال كل مـرادي تالله ما أحلى المبيت على منـى *** في ليل عيد أبـرك الأعيـادي ضحوا ضحاياهم ثم سال دماؤها *** وأنا المتيم قد نحـرت فـؤادي لبسوا ثياب البيض شارات اللقاء *** وأنا الملوع قد لبسـت سـوادي يارب أنت وصلتهم صلني بهـم *** فبحقهـم يـا رب فُـك قيـادي فإذا وصلتـم سالميـن فبلغـوا *** مني السلام أُهيـل ذاك الـوادي قولوا لهم عبـد الرحيـم متيـم *** ومفـارق الأحـبـاب والأولاد صلى عليك الله يا علـم الهـدى *** ما سار ركب أو ترنـم حـاديهو الشوق العميق إلى البيت العتيق، سر وضعه فيه خالقه، تنظر إليه فتستشعر البشارة والطمأنينة كأنك انتقلت من عالم الوهم إلى عالم الحقيقة، من عالم الهم إلى عالم السكينة، من عالم الخوف إلى عالم الأمن، تحلو المناجاة فيه وتستعذب المقام عنده، لا يشعر بمرارة الفراق إلا من عانق وقبل وطاف وسعى ورمل ثم حجب عن الذهاب إلى ما يشتاق إليه ويحن!اَلراحلونَ إلى ديار أحبتي *** عتَبي عليكمْ.. قد أخذتم مهجتيوتركتمُ جسدي غريباً هاهنا *** عجَبي له! يحيا هنا في غربةِ!كم قلتمُ مامِن فصامٍ أونوى *** بين الفؤاد وجسمهِ.. ياإخوتي!وإذا بجسمي في هجير بعادهِ *** وإذا بروحي في ظلال الروضة ِ!قلبي..وأعلم أنه في رحلكمْ *** كصُواع يوسفََ في رحال الإخوةِقلبي..ويُحرمُ بالسجود ملبياً *** لبيكَ ربي.. يا مجيبَ الدعوةِقلبي.. ويسعى بين مروةَ والصفا *** ويطوفُ سبعاً في مدارالكعبةِقلبي ارتوى من زمزمٍ بعد النوى***وأتى إلى عرفات أرضِ التوبةِهو مذنبٌ متنصِّل من ذنبه *** هو محرمٌ يرنو لبـاب الرحمةِقلبي.. ويهفو للمدينة طائراً *** للمسجد النبوي عند الروضةهي واحةٌ نرتـاح في أفيـائها *** بطريق عودتنا لدار الجنةِوصل الحجيج والبعض يجد السير لاحقا بهم إلى النعيم المنتظر، إلى منارة السالكين وأنس الصالحين.وما زال وفـد الله يقصـد مكـة *** إلى أن بدا البيت العتيق وركنـاه فضجت ضيوف الله بالذكر والدعا *** وكبرت الحجـاج حيـن رأينـاه وقد كادت الأرواح تزهق فرحـة *** لما نحن من عظم السرور وجدناه تصافحنا الأملاك من كان راكبـا *** وتعتنـق الماشـي إذا تتلـقـاه كم من مكلوم كان دواه في لحظة رضى، وكم من مهموم سار علاجه في نجوى صادقة، وكم من عاص رفع هناك اليد فعاد رابحا، وكم من صاحب ذنب ثقيل عاد خفيف المحمل، ترى الدموع تنساب بلا تكلف، والآهات تخرج من غير عنت، وقوة خفية تجعلك تنتقل من منسك إلى آخر في يسر وسهولة وكأنك محمول بين المناسك!إليـك إلهـي قـد أتيـت مُلَبـيـا *** فبـارك إلهـي حجتـي ودعائـيـا قصدتك مضطـراً وجئتـك باكيـا *** وحاشـاك ربـي أن تـرد بكائيـا كفانـي فخـراً أننـي لـك عابـد *** فيافرحتي إن صرت عبـداً مواليـا إلهـي فأنـت الله لا شـيء مثلـه *** فأفعـم فـؤادي حكمـة ومعانـيـا أتيت بلا زاد، وجـودك مطعمـي *** وما خاب من يهفو لجودك ساعيـا إليك إلهي قـد حضـرت مؤمـلا *** خلاص فؤادي مـن ذنوبـي ملبيـا اللهم تقبل حج من قصدك، وأقل عثرة من ارتجاك وأقبل، ويسير بقدرتك وفضلك حج من غلبه الشوق ولما يبلغ مراده.