13 سبتمبر 2025

تسجيل

سد النهضة بين الجذور والواقع 3

11 أغسطس 2020

لكن وزير الخارجية المصري سامح شكري قال في رسالة إلى مجلس الأمن في 27 مايو الماضي إن ملء السد وتشغيله سيعرض الأمن المائي والأمن الغذائي المصري للخطر، وإنه بالنسبة إلى مصر بلد فيه أكثر من (150) مليون نسمة يعتمدون كليا على نهر النيل في وجودهم، وإن وضعًا كهذا لا يمكن التسامح معه، وإن سد النهشة شُيّد من دون استكمال الدراسات الضرورية على السلامة البنيوية الهيدرولوجية، ممَّا يُهدّد أكثر من (150) مليون مواطن سوداني ومصري، وإن ملء وتشغيل مشروع عملاق كسد النهضة من دون اتفاق وفي غياب أية وسائل حماية متوافق عليها يُشكّل خطرًا واضحًا بالنسبة إلى مصر، وطالب وفقًا للمادة (35) من ميثاق الأمم المتحدة من أجل إخطار مجلس الأمن بأي وضع كان أن يؤدي إلى خلاف دولي أو يمكن أن يعرض للخطر الأمن والسلام الدوليين. ذلك أن مصر تخشى من المساس بحصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة (55,5) مليار متر مكعب، وتطالب باتفاق حول ملفات بينها أمان السد وتحديد قواعد ملئه في أوقات الجفاف والجفاف الممتد، ذلك أن القاهرة تعتمد بشكل شبه كلي على مياه النيل في الحصول على ما يلزمها من المياه العذبة، وترى أن السد يمثل تهديدًا وجوديًا محتملاً، وقالت مصر مؤكدة أيضًا إن كل تلك الجهود قد تعثرت بسبب عدم توافر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا وإصرارها على المُضي قدمًا في ملء السد بشكل أحادي في مخالفة لاتفاق إعلان المبادئ والموقع بين الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل السد، وإنه يلزم إثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدول المصبَّ. لكن أديس أبابا من جهتها تؤكد أنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر ولا السودان، وأن الهدف الأساسي للسد هو توليد الكهرباء لدعم عملية التنمية. وأحب أن أشير هنا إلى أن الصراع من أجل مياه النيل ليس وليد اليوم، ولنتذكر ما قاله الرئيس المصري السابق حسني مبارك بشأن أي عبث إثيوبي بمياه النيل، حيث قال: إن ذلك سيدفع بلادنا إلى المواجهة دفاعًا عن حقوقنا وحياتنا. وذهب خليفته الرئيس السابق محمد مرسي في نفس الاتجاه، حيث قال: "نحن لا نريد الحرب، لكن كل الخيارات تبقى مفتوحة"، وكان رد رئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك السيد (ميليس زيناوي) إذا كانت مصر تريد منع إثيوبيا من استخدام مياه النيل فعليها أن تحتلّ بلدنا، وهذا ما لم تفعله في الماضي أية دولة على وجه الأرض، ويقول الكاتب د. خليل العناني إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يتعامل بالحذر والذكاء المطلوب مع ملف سد النهضة، وكان توقيعه على اتفاق المبادئ في شهر مارس 2015 والذي اعترف فيه صراحة ببناء السد ممَّا أعطى إثيوبيا ما كانت تطمح إليه منذ عقود بشأن إسقاط الاتفاقات التاريخية المنظمة لاستخدام مياه النيل، والتي حافظت على حصة مصر وحقوقها التاريخية بها، وبمثابة كارثة وطعنة كبيرة للأمن القومي المصري، وعليه فقد تحللت أديس أبابا من أية التزامات قانونية وتاريخية بخصوص توزيع مياه النيل، وكذلك أيضًا فيما يخص عدم بناء سدود على النيل الأزرق دون الرجوع لدولتي المصبّ (مصر والسودان)، والحصول على موافقاتهما. لكن السيد (ويليام دايسنون) من مجموعة الأزمات الدولية – وهي منظمة لمنع النزاعات – يقول: "يمكننا توقع نوع من التصعيد الدبلوماسي، وخطاب أكثر عدوانية، لكن من الواضح أن التوصل إلى حل تفاوضي هو أفضل سبيل للجميع، ولا يزال هناك الكثير من الاحتمالات لذلك". أمَّا الخبراء في شؤون شرق أفريقيا فيستبعدون نشوب حرب من أجل النيل، وكما يرى السيد (سورين شولفين) - من المعهد الألماني للدراسات العالمية والمحلية في هامبورج - فإن هناك عدة أسباب لاستبعاد احتمال الحرب، إذ يقول: يجب أن نضع في الاعتبار أن معظم هذه البلدان تملك قدرات عسكرية محدودة جدًّا، وهي بالتالي ليست قادرة على استخدام قوتها العسكرية في حروب داخلية في المنطقة، ومن جانبه أيضًا يتوقع الخبير في شؤون شرق أفريقيا (شيغان رول) أن تساهم مشكلة ندرة المياه التي تتفاقم بشكل متزايد في شرق أفريقيا في دفع دول المنطقة إلى التقارب. انتهى كلامه. وختامًا أقول: إن هذه التجاذبات بين دول المصبَّ حول مشروع سد النهضة الإثيوبي لابد أن تسودها روح التفاهم والمصالح المشتركة بعيدًا عن التهديدات والتشنجات السياسية، وحيث إن السد أصبح الآن أمرًا واقعًا، وفي نظري أن سد النهضة سيكون عاملاً لتحقيق السلام والازدهار والرخاء لكل شعوب حوض النيل، وخصوصًا لشعب مصر والسودان والشعب الإثيوبي، وذلك متى ما خلصت النوايا الحسنة في توصيل هذه المفاوضات الجارية الحالية إلى بر الأمان، بعيدًا عن لغة التعنت والعناد، ذلك أن لغة التصعيد ولغة التهديد ودق طبول الحرب ستؤدي إلى جرّ المنطقة إلى مهالك الدمار والخراب وأتون حرب سوف تأكل الأخضر واليابس، ممَّا لا تحمد عقباه، وستكون آثارها على الجميع حاضرًا ومستقبلاً ولأجيال قادمة. إن نهر النيل العظيم الخالد شريان الحياة منذ الأزل البعيد، وبكل جذوره التاريخية الضاربة في الأعماق يتوجب على دول المصب ودول الاتحاد الأفريقي أن تجد الحلول، وأن تقف على كل ما يحقق المحافظة على مصالح وشعوب دول حوض النيل، بمقومات السلام، والرخاء والازدهار والتقدم، بعيدًا عن أتون الحروب والأشلاء والضحايا والدماء والخراب، ليبقى نهر النيل الخالد شريان الحياة للمروج الخضراء والمزارع الوارفة، والحضارة المزدهرة، أبدي الخلود إلى ما لا نهاية، وهذا ما نتمناه. والله من وراء القصد. E-mail: [email protected]