12 سبتمبر 2025
تسجيلأصبحت تكلفة الصمت عن السياسات السعودية باهظةً، ولم يعد ممكناً للولايات المتحدة والدول الكبرى تحمُّلها، لأن ما تقوم به الرياض أصبح يمسُّها بشكلٍ مباشرٍ، فالقضية التي رفعها سعد الجبري في المحاكم الأمريكية ضد ولي العهد السعودي متهماً إياه بالسعي لاغتياله، كانت ستمر مرور الكرام لولا أنها تضمنت معلومات بالغة الحساسية والسرية تلقي ظلال الاتهام على الإدارة الأمريكية نفسها، مما دفع بوزارة الخارجية الأمريكية للإعلان عن التزامها بأمن وسلامة الجبري وعائلته. الأهم من الجبري نفسه، أن قضيته فضحت أموراً كان الجميع يعلمون بوجودها، لكنهم لم يتخيلوا أبداً أن تكون بهذا السوء، ولعل أولها هو الدور السعودي في المحرقة الأسدية التي دمرت سوريا، وقتلت وشردت السوريين. في العام الأول للثورة، بدأ النظام السوري يترنح، فأرسل إشارات تؤكد استعداده للتفاوض على الاستجابة لبعض مطالب الشعب السوري، فما كان من السعودية إلا أن دفعت ودعمت التدخُّل العسكري الروسي، فكانت النتيجة مجازر لم يسبق لها مثيل. والملفت للنظر هو أن عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي آنذاك، كان يتعنتر بالقول إن النظام السوري سيسقط سلماً أو حرباً، مما يدل على أن وزارة الخارجية كانت، ولم تزل، مجرد إدارةٍ ثانويةٍ تُستخدم لإضفاء نوع من الجدية على السياسات الرعناء التي يرسمها سعود القحطاني الذي لا يتميز إلا بالضحالة الفكرية، والانحطاط الأخلاقي، وانعدام الحسِّ الإنساني. والسؤال المطروح، هنا، ما الدور الذي تقوم به السعودية والإمارات اليوم، في دعم العصابات الانفصالية في شمالي وشرقي سوريا؟ وهل يبرر عداؤهما لتركيا تقسيم سوريا؟، إن السعودية في وضعٍ أخلاقيٍّ وإنسانيٍّ سيءٍ جداً لا يمكنها الخروج منه بسهولةٍ. أما القضية الثانية، فهي تسريب الإدارة الأمريكية للاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك سلمان مع الرئيس ترامب في اليوم الثاني لحصار قطر، ليخبره بأن دول الحصار تُخطط لغزو بلادنا عسكرياً، فرفض ترامب ذلك، وعلى الرغم من علمنا بهذا المخطط منذ البداية، فإن التسريب يدفعنا لمناقشة الأمر من عدة جوانب، هي: 1- إننا في قطر، كنا نؤمن بوحدة المصير الخليجي، ونرسم سياساتنا الخارجية بما يضمن مصالح دول مجلس التعاون، ونستند إلى المجلس كغطاء سياسي وعسكري واقتصادي موحَّدٍ، ولكننا تعرضنا للتهديد الوجودي الخطير من السعودية، الدولة الكبرى، والإمارات المتورمة بالأوهام الإمبراطورية، ولذلك صار لزاماً علينا التخطيط الإستراتيجي على أساس أن الغزو قد يحدث في أي لحظةٍ مستقبلاً، ولن يمنعه إلا تعزيز قدراتنا العسكرية، وإقامة تحالفاتٍ مع دول حقيقية قوية مؤثرة كتركيا، وألا ننشغل بالخطابات الإعلامية الجوفاء الرنانة لهاتين الدولتين عن حُسن الجوار، لأنهما كانتا تخططان للغدر ببلادنا في نفس الوقت الذي كان جنودنا يشاركون في الدفاع عن الحد الجنوبي للسعودية، ويُستشهد بعضهم، بل وفي الوقت الذي استقبلت بلادنا، قيادةً وشعباً، العاهل السعودي بحفاوةٍ منقطعة النظير في الخامس من ديسمبر 2016م. 2- إن مجلس التعاون الخليجي لم يعد ذا أهمية، وحتى لو انتهت الأزمة، فإن استمرار بقائه سيكون مرهوناً بضماناتٍ أمريكيةٍ ودوليةٍ لدوله المُهَدَّدَة من قِبَلِ السعودية والإمارات، وهذه الضمانات لن تعني إلا أنه أصبح مجرد تجمُّعٍ سياسيٍّ شكليٍّ، مما يجعلنا نخطط لعلاقاتنا مع دول المجلس على أساس ثنائي، فليس من المعقول أن تكون علاقاتنا مع عُمان والكويت بنفس مستوى علاقاتنا مع الإمارات والسعودية والبحرين التي كانت تتأهب للانقضاض على بلادنا بلا رادع من جوارٍ أو عروبةٍ أو إسلامٍ. 3- جامعة الدول العربية مجرد جهاز إداري ضخم فاسد سياسياً، ولا عمل لها إلا الإيحاء بوجود دعم للسياسات الإماراتية والسعودية والمصرية، كما يدل صمتها المطبق على ما يجري من بيعٍ علنيٍّ لفلسطين تشارك فيه الدول الثلاث، وعدم مساندتها للحكومة الشرعية في ليبيا، لأن الدول الثلاث تدعم العميل الميليشياوي حفتر، وغيابها الكامل بعد انفجار مرفأ بيروت لأن الدول الثلاث تدعم أطرافاً من الشعب اللبناني ضد أطراف أخرى منه. ولذلك، فإننا سنحرص على بقاء وجودها الفاشل لأنها تمثل آخر شكل لوحدة الدول العربية، أما الالتزام بقراراتها فإنه لن يكون إلا بعد تحريرها من سيطرة تلك الدول. كاتب وإعلامي قطري [email protected]