10 سبتمبر 2025
تسجيلاتحد الأنداد والأعداء ضد اليمين المتطرف الفرنسي، هذا هو ملخص الانتخابات البرلمانية الفرنسية الأخيرة وعنوانها الرئيسي. لكن على الرغم من أن هذا الاتحاد بين تحالف الوسط الرئاسي والتحالف اليساري، والتحالف الاشتراكي ذاته، كان مساهما رئيسيا في عرقلة حلم اليمين المتطرف الفرنسي من الاستحواذ على الأغلبية البرلمانية التي كان قوب قوسين أو أدنى من نيلها بعد تصدره في الجولة الأولى. إلا أن ذلك لا يقدم تفسيراً واضحا للغز تحطم أحلام اليمين المتطرف في نهاية كل ماراثون انتخابي. ففي الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعامي 2017، و 2022، كادت ماري لوبان زعيمة التجمع الوطني أن تصل إلى قصر الإليزيه لكن تعرقل وصولها على آخر لحظة. وفى الانتخابات البرلمانية لعام 2015، تصدر حزبها في الجولة الأولى، لكنه فقدها في الجولة الثانية. وفى كل مرة يتكرر نفس السيناريو حرفياً، تتحالف أحزاب الوسط واليسار ضد اليمين المتطرف، والتحالف هنا لا يعنى تشكيل جبهة موحدة لخوض الانتخابات ضد اليمين المتطرف. بل عبر التنسيق و دعم بعضهم البعض في الدوائر الانتخابية المختلفة، وحث أنصارهم للتصويت ضد اليمين أو لصالح أي منافس اليمين. وذلك عندما فعل التحالف اليسار عندما حث أنصاره للتصويت بكثافة لماكرون ضد لوبان في انتخابات 2022. لكن يتبدى وراء ذلك، أن الناخب الفرنسي نفسة - صاحب الكلمة العليا في الانتخابات عامة ووصول اليمين المتطرف لحكم فرنسا خاصة- ينتابه حالة من التردد الشديد في اللحظات الأخيرة. فلا شك أن القاعدة الشعبية الداعمة لليمين المتطرف قد تنامت بصورة مطردة. وهذا ما برهنت عليه الانتخابات الأخيرة التي حصل فيها اليمين المتطرف رغم حلوله في المركز الثالث على أعلى نسبة تصويت شعبي له في تاريخه والتي ناهزت 11 مليون صوت. مما أدخل المشهد السياسي الفرنسي أيضا في حالة إرباك شديد حيث لم يحصل أي تكتل على الأغلبية المطلقة لتشكيل الحكومة. ومع ذلك، يبدو بجلاء أن هناك كتلة تصويتية ضخمة اغلبها من انصار اليمين بأطيافه، لم تحسم موقفها النهائي من اليمين المتطرف، رغم تماشى خطاب وسياسات اليمين المتطرف مع مزاجها العام. هنالك مخاوف متنوعة لدى الفرنسيين (شعبا ونخبة) من حكم اليمين المتطرف لفرنسا كشفت عنها العديد من الاستطلاعات التي تعد السبيل الوحيد لفك شفرة هذا اللغز. ولم تجمع هذه الاستطلاعات على مخاوف محددة مشتركة، لكن اليمين المتطرف الفرنسي بصفة عامة يثير عددا لا يستهان به من المخاوف. يخشى عدد كبير من الفرنسيين أن يغير اليمين المتطرف المعالم الرئيسية وروح الجمهورية الفرنسية التي بنيت على مبادئ الثورة الفرنسية. فمبادئ اليمين المتطرفة للغاية قد تقوض أسس العلمانية والليبرالية المتجذرة في فرنسا. ويخشى البعض الآخر، من تقويض اليمين المتطرف لروح التسامح وأسس مبادئ حقوق الإنسان العالية التي تتمتع بها فرنسا، وذلك على إثر خطابه شديد التطرف والتعصب ضد كل ما هو غير فرنسي خاصة العرب والمسلمين. وهذا لا يتماشى مع حال فرنسا اليوم حيث أقليات من السود والمسلمين والعرب تناهز الملايين، وتلعب دورا رئيسيا في جميع مناحي الحياة الفرنسية. حتى كرة القدم معشوقة الفرنسيين أساطيرها التاريخيين اغلبهم ليسوا فرنسيين في الأصل. وثمة مخاوف تتعلق بعزلة فرنسا عن محيطها الأوروبي، بل واحتمالية انسحابها من الاتحاد الأوروبي. فاليمين المتطرف كما هو معروف يرفض ما يسمى هوية أوروبية جامعة، ومؤسسات فوق سيادية. وواقع الأمر، أن ندم الإنجليز الشديد من الخروج من الاتحاد الأوروبي بفضل ضغوط اليمين الإنجليزي، ماثل في ذهن الفرنسيين باستمرار. فخروج إنجلترا من الاتحاد قد أصاب اقتصادها بنكبة شديدة، وأضعف من قوتها السياسية. إذن ملخص القضية أن الفرنسيين في حيرة شديدة أمام يمين متطرف يلامس ويداعب مخاوفه ومتاعبه لاسيما مخاوفه من تنامى أعداد الأقليات والمهاجرين وطمس الهوية الفرنسية ومعها تأكل حقوقه الأصلية لصالح الغرباء. وبين مخاوفه من سياسات شديدة الراديكالية على كافة المناحى إذا حكم اليمين المتطرف فرنسا.