12 سبتمبر 2025
تسجيلكان نضوج مصلح صفوان، وتغريده خارج السرب قد حدث أيام مرض الاستياء الشهير، الذي انتشر في البلدة ذات يوم مسببا أضرارا جسيمة كادت أن تقضي على بلدة متماسكة. حيث تحول الاستياء فجأة من مجرد توتر عاطفي محترم، يمكن أن يصيب عاطفة معينة لزمن محدود ويندحر، إلى مرض مهلك توطنت أعراضه ومضاعفاته في عواطف عدد كبير من أهل البلدة، فيهم رجال وقورون، ونساء يقبضن على بيوتهن وعوراتها بكثير من القوة وحتى أطفال لم تكتمل عواطفهم بعد. كان الآباء يستاءون من أبنائهم إلى درجة الضرب بالسياط، إذا طلبوا قرشًا لشراء حلوى، الأبناء يستاءون من آبائهم المسنين إذا طالبوهم بالمودة والرحمة، وربما يلقون بهم خارج البيوت، النساء يستأن من زينتهن حتى وهن عرائس في الليالي النضرة، ويقمن بإتلافها، الأفواه تستاء من الأكل والشرب، وآذان المراهقات الدلوعة، تستاء من ترنحات الغزل التي تطلقها ألسنة الشباب، وربما يقمن بإيذاء المتغزلين بدرجة خطرة. كان العمدة سليمان عمدة البلدة في ذلك الحين، هو أول من أصيب بذلك المرض كما قيل، التقط الجرثومة من راع للأغنام جاء من بلدة أخرى عارضا بهائمه، كان العمدة يفاوضه في شراء خروف يحتاجه لإقامة عشاء لبعض الوجهاء، اختلف المتفاوضان في نصف جنيه فقط، فذبح الراعي أغنامه كلها وذهب، وفي اليوم التالي ظهرت أعراض المرض على العمدة، استاء بشدة، طلق ثلاث زوجات كان قد دفع فيهن مهورا وقحة من قبل من دون سبب، سوى أنهن كن يتنافسن على إرضائه في طقس مألوف يتكرر يوميا، وكان يحبه غاية الحب.انتشر المرض بعد ذلك، وقد قيل إن زينب داية البلدة الموهوبة في ذلك الحين، والتي لم تتعثر الولادات على يديها قط، استاءت من يديها فجأة، أدخلتهما نارا فظة، حمراء، حتى احترقتا بالكامل، وتحولت إلى متسولة فقيرة بعد ذلك. أيضًا تنازل ناظر مشهور لإحدى القبائل عن نظارته وسطوته الكبيرة، لواحد من رعاياه، لأنه استاء من رائحة قرع كان يطبخ في بيته، وتنازلت فتاة عاشقة عن حبيبها لامرأة مسنة، لأنها استاءت من كلمة: أحبك، التي كانت تطرب لسماعها فيما مضى. وكانت أقسى مضاعفات للمرض تلك التي أصابت جبران، أحد تجار البلدة المعروفين في ذلك الحين، حين استاء من تجارته كلها فأفرغ دكانه وبدأ يوزع السلع على الناس في بيوتهم. وقد استغل "الحضارم"، الذين لم يصبهم المرض بسبب بعدهم عن الاحتكاك المباشر تلك الدربكة المرضية استغلالا فادحا، نسبوا جنون مصلح صفوان، وتغريده خارج السرب إلى مرض الاستياء المسيطر، لكنهم لم يستطيعوا مداواته بكل ما بذلوه من جهد. لبخوه بلبخات نبات القرض المستخدمة كدواء شائع في كل شيء، ولم يكونوا يؤمنون به كثيرًا، بخروه ببخور اسمه التيمان، كان يستخدم لطرد العين والحسد، دقوا له الزار عند أحمد حليمة، شيخ الزار الوحيد بالبلدة، دقوا الدفوف أيضًا، وسدوا أنفه بالقطن، والفلين، حتى لا يشم مواطن الخلل وينزح إليها. خطبوا له سوان الحضرمية، وزمزم التي كانت حبشية الأصل، لكنها تربت عند عائلة حضرمية، ولن تعتبر خطيئة كبرى، إن زوجت لحضرمي، تهوروا في بيت عائلة "بادان" القبلية العريقة طالبين منها القرب، بعد فتوى كاذبة من بعضهم، بأن عائلة بادان ذات جذور حضرمية، لم ترد أن تفصح عنها، ووصل بهم الأمر أن ذهبوا مرتعشين، إلى بيت "رزان قمر"، باحثة العادات العاصمية الجميلة، التي دخلت البلدة ذات يوم، لتكملة بحث جامعي، تكتبه عن ريالة أطفال إفريقيا، ناسين بأنهم حضارمة لا يهبون نطفة لغريب، وأن رزان قمر، باحثة عادات، غامرت بالمجيء إلى تلك الأصقاع البعيدة، لتبحث، لا لترتبط برجل بدائي، يغرد خارج سرب عائلته.