13 سبتمبر 2025
تسجيلعن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) قال: كان عابد يتعبد في غار وكان غراب يأتيه كل يوم برغيف يجد فيه طعم كل شيء حتى مات ذلك العابد ). وعن سعيد بن عبدالعزيز عن بعض مشيخه في دمشق قال: ( أقام إلياس هاربا من قومه في جبل عشرين ليلة، أو قال أربعين تأتيه الغربان برزقه ). وقال سفيان الثوري: ( قرأ واصل الأحدب هذه الآية – { وفي السماء رزقكم وما توعدون } - فقال: ألا إن رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض، فدخل خربه فمكث ثلاثا لا يصيب شيئا، فلما كان اليوم الرابع إذا هو بدوخلة من رطب، وكان له أخ أحسن نية منه فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما) . ومن هذا الباب من قوى توكله على الله ووثوقه به فدخل المفاوز بغير زاد فإنه يجوز لمن هذه صفته دون من لم يبلغ هذه المنزلة وله في ذلك أسوة بإبراهيم الخليل (عليه السلام ) حيث ترك هاجر وابنها اسماعيل بواد غير ذي زرع وترك عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء، فلما تبعته هاجر وقالت له: إلى من تدعنا؟ قال لها: إلى الله، قالت: رضيت بالله، وهذا كان يفعله بأمر الله ووحيه ، فقد يقذف الله في قلوب بعض أوليائه من الإلهام الحق ما يعلمون أنه الحق ويثقون به. قال المروزي: قيل لأبي عبدالله أي شيء صدق التوكل على الله قال أن يتوكل على الله ولا يكون في قلبه أحد من الآدميين يطمع أن يجيبه بشيء، فإذا كان كذلك كان الله يرزقه وكان متوكلا، قال: وذكرت لأبي عبدالله التوكل فأجازه لمن استعمل فيه الصدق، قال: وسألت أبا عبدالله عن رجل جلس في بيته ويقول: أجلس وأصبر ولا أطلع على ذلك أحدا وهو يقدر أن يحترف، قال: لو خرج فاحترف كان أحب إلي، وإذا جلس خفت أن يحوجه إلى أن يموت يتوقع أن يرسلوا إليه بشيء. قلت: فإذا كان يبعث إليه بشيء فلا يأخذه، قال هذا جيد، قلت لأبي عبدالله: إن رجلا بمكة قال: لا آكل شيئا حتى يطعمني ربي، ودخل في جبل أبي قبيس، فجاء إليه رجلان وهو متزر بخرقه، فألقيا إليه قميصا وأخذا بيده، فألبساه القميص ووضعا بين يديه شيئا فلم يأكل حتى وضعا مفتاحا حديدا في فيه وجعلا يدسان في فمه، فضحك أبوعبدالله وجعل يتعجب. قلت لأبي عبدالله: أن رجلا ترك البيع والشراء وجعل على نفسه أن لا يقع في يده ذهب ولا فضة وترك دوره فلم يأمر فيها بشيء، وكان يمر في الطريق فإذا رأى شيئا مطروحا أخذ بيده مما قد ألقى. قال المروزي: فقلت للرجل: مالك حجة على هذا غير أبي معاوية الأسود، قال: بل أويس القرني، وكان يمر بالمزابل فيلتقط الرقاع، فصدقه أبو عبدالله، وقال: قد شدد على نفسه ثم قال: لقد جاءني البقلي ونحوه، فقلت لهم لو تعرضتم للعمل تشهرون أنفسكم، قال: وايش ينالني من الشهرة؟. وروى أحمد بن الحسين بن حسان عن أحمد : أنه سئل عن رجل يخرج إلى مكة بغير زاد فقال: إن كنت تطيق وإلا فلا تخرج إلا بزاد وراحلة لا تخاطر . قال أبو بكر الخلال: يعني أن أطاق وعلم أنه يقوى على ذلك ولا يسأل لا يستشرف نفسه لا يأخذ أو يعطي فيقبل فهو متوكل على الصدق. وقد أجاز العلماء التوكل على الصدق، قال: وقد حج أبو عبدالله وكفاه في حجته أربعة عشر درهما. وسئل اسحاق بن راهوية: هل للرجل أن يدخل المفازة من غير زاد؟ فقال: إن كان الرجل مثل عبدالله بن جبير فله أن يدخل المفازة بغير زاد، وإلا لم يكن له أن يدخل، متى كان الرجل ضعيفا وخشي على نفسه ألا يصبر أو يتعرض لسؤال أو أن يقع في الشك والسخط لم يجز له ترك الأسباب حينئذ، وأنكر عليه غاية الإنكار كما أنكر الإمام أحمد وغيره على من ترك الكسب وعلى من دخل المفازة بغير زاد وخشي عليه التعرض للسؤال .