10 سبتمبر 2025
تسجيلأنا لا أستطيع التوقف عن التفكير. وأنا متأكدة بأنني لو سألتك أنت، عزيزي القارئ، إذا ما كنت قادراً على التوقف عن التفكير في هذه اللحظة، بأنك ستجاوبني بلا! لا أحد يستطيع أن يتوقف عن التفكير بفرقعة أصبع. فدماغنا ليس ChatGPT يعطينا الفكرة ثم يتوقف لنرد عليه.. بل ينهال علينا بالأفكار سواء أعجبتنا الفكرة أم لم تعجبنا، سواء تجاوبنا معها أم تظاهرنا تجاهلها! ووفقاً لمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية يراود الإنسان نحو ٦٠ ألف فكرة يومياً! فيها الغث والثمين! ويركز الدماغ على الأفكار السلبية أكثر من الإيجابية لأنها تثيره أكثر حيث تحفز فيه غريزة البقاء القيمة والأهم بالنسبة إليه! إذاً، فنحن لا نستطيع التوقف عن التفكير، رغم أن التفكير في معظم الأوقات هو سبب تعاستنا.. إذاً فما الحل؟ كيف يكون لنا أن نخلص أنفسنا من بؤسنا وبؤسنا مننا وفينا، كما يقولون! الحل ليس في إخراس الصوت الذي يتكلم في رؤوسنا، أو في استبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية، أو إعادة التوكيدات الإيجابية مراراً وتكراراً طوال الوقت لأنها ليست حلولا دائمة، فالأفكار السلبية تجد طريق عودتها دائماً إلى رؤوسنا! الحل كما تقترحه المعالجة النفسية نانسي كوليير في كتابها (لا أستطيع التوقف عن التفكير) هو أن نغير طريقة تعاملنا مع أفكار ومع الصوت الصاخب داخل رؤوسنا! فالمشكلة الأكبر ليست في محتوى أفكارنا بل في طريقة تعاملنا مع أفكارنا. يجب علينا ألا نصدق كل فكرة تمر في أذهاننا، وألا نتفاعل مع الصوت السلبي في رؤوسنا. وأن نعرف أن أفكارنا ليست حقيقية ولن تحدث لمجرد أننا فكرنا بها! الإنسان المتصالح مع ذاته يفكر كما نفكر نحن.. ولكنه لا يسلم نفسه لأفكاره. يعيش اللحظة الحالية لا اللحظة المستقبلية أو لحظات الأمس والماضي. الإنسان الذي يملؤه السلام الداخلي يعيش اللحظة دون أن يفكر في أي شيء آخر أو أن يُعلق في رأسه على ما يعيشه. هذا الإنسان عندما يقود سيارته، يقود سيارته وحسب دون أن يقود السيارة وهو يفكر بما حصل له في العمل مع مديره، أو بخططه على العشاء.. هو يعيش اللحظة فقط، وهذا هو الوعي الذي يتناوله ايكهارت تولي في كتابه (قوة الآن)، بمعنى هو العيش في الآن وليس في أي وقت آخر.. الانشغال بهذه اللحظة لا بشيء آخر.. إذا كنت تطبخ الغداء اطبخ وركز على المقادير دون أن تفكر وتحمل هَمَّ غسل الصحون بعد الانتهاء من الأكل! هذا هو قمة العيش في اللحظة! وهذا هو أفضل حل للتعامل مع التعب والشقاء الذي يصيبنا من كثرة التفكير! وإذا حاولت عيش اللحظة وهاجمتك الأفكار (وهذا ما ستفعله الأفكار والصوت في رأسك) لا تبتئس! بل اسمعها ولا تحكم عليها واتركها لتمر وارجع لعيش اللحظة. ستحتاج إلى الكثير والكثير من التمرين على ذلك، ولكنه طريق يستحق الخوض فيه! فعش حياتك يا صديقي القارئ واختر ما توجه عليه انتباهك، فهذه اللحظات التي تمضي محسوبة من حياتك