12 سبتمبر 2025
تسجيلذكرنا في المقال الفائت أن الإسلام حد حدودا ونهى عن تجاوزها ومنها: الاعتداء على مشاعر الناس وأحاسيسهم، وقد ذكرنا في المقال السابق أربعة مظاهر تلك على ذلك وهي: 1 - مراعاة المشاعر بمراعاة الضرورات البشرية 2 - مراعاة المشاعر بمراعاة الحياء الخلقي 3 - مراعاة المشاعر بمراعاة الطبيعة الجبلية 4 - مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر الحيوانات واليوم نكمل بقية تلك المظاهر: 5 - مراعاة النبي للفطرة التي فطر عليها الإنسان من محبة والديه ومن ذلك مجيء عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات أبوه عبد الله بن أُبي، وكان رأس المنافقين كما هو معلوم، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! استغفر لأبي، وألبسه قميصك!) يعني: لعله أن يُرحم بسبب ذلك، وكان هذا قبل أن ينزل قول الله تبارك وتعالى: "وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ" [التوبة:84]، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم ما طلبه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول منه، فاستخرجه وألبسه قميصه، ونفث فيه من ريقه واستغفر له، ولما جاء عمر وقال: يا رسول الله! تستغفر له وقد قال كذا يوم كذا وكذا؟ فقال: (أخر عني يا ابن الخطاب! إني خُيرت فاخترت) يعني: أن الله قال: "اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ" [التوبة:80]. فما دام أنه لم يكن هناك نهي وثمّ جبر لخاطر عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول وهو رجل مؤمن؛ فلا مانع من جبر الخاطر وتهدئة المشاعر، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخر عني يا ابن الخطاب!) إلى أن نزل قوله تعالى: "وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ" [التوبة:84]، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد. 6 - مراعاة الأحياء بعدم التعرض لأمواتهم ولو كانوا كفارا ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)، فسب الأموات فيه أذىً للأحياء، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات مراعاة لأحاسيس الأحياء. 7 - مراعاة الشخص بعدم تحميله ما لا يطيق ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أدخل الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه عليه)، فيخفف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة؛ بسبب بكاء الصبي شفقةً عليه وعلى أمه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ بن جبل لما صلى بالناس صلاة العشاء وأطال في الصلاة إذ استفتح بالبقرة، فانفض رجل من خلف معاذ وفارقه وأتم صلاته وحده، فبلغه أن معاذاً نال منه، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوه إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفتانٌ أنت يا معاذ!؟ أفتانٌ أنت يا معاذ!؟ أفتانٌ أنت يا معاذ!؟ من صلى بالناس فليخفف؛ فإن من ورائه الضعيف والسقيم وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما يشاء) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم 8 - مراعاة النبي للضعف البشري، وذلك أن الإنسان تمر عليه لحظات ضعف ينبغي على المسلم مراعاتها وألا يحمل الطرف الآخر إلى الوقوع فيما لا يقدر أن يصده ومن ذلك قول النبي وقد مر على صحابيين ومعه صفيه، وكانت قد قد جاءت رضي الله تعالى عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في معتكفه، فمكثت عنده ساعة، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم يردها إلى بيتها، وكان بيتها قريباً من دار أسامة بن زيد، فرآه رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية!) فقالا: سبحان الله! وشق ذلك عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً - أو قال: شراً - فتهلكا). فخوفه صلى الله عليه وسلم عليهم إذا خلا كل منهم بنفسه قد يقذف الشيطان في قلبه شيئا يهلك به لأجل ذلك راعى النبي الأمر وذكر لهما. 9 - مراعاة المشاعر بتجنبها الصدام المباشر مع ما يشق عليها ومن ذلك، قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـعائشة: (يا عائشة! لولا أن قومكِ حديثو عهد بكفر؛ لنقضت الكعبة ولبنيتها على قواعد إبراهيم، ولكن أخشى يا عائشة! أن تنكر قلوبهم). 10 - مراعاة المشاعر بعدم تعريضها للهلكة ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه بنو مخزوم يستشفعون عنده بـأسامة بن زيد كي يتجاوز عن قطع يد السارقة، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) كل ذلك لدفع الظنون والشكوك عن هؤلاء القوم. فهذا باب يجب أن يُراعى، ألا وهو مراعاة الأحاسيس والمشاعر والقدرات. تلك عشرة كاملة تبين بجلاء لا يحمل الشبهة كيف أن لمشاعر الناس اعتبارا في الإسلام، وإن أولى ما يجب أن ينصرف إليه الأمر، شيبة الإسلام من الرجال والنساء الذين بلغ بهم السن والضعف إلى أن يشعروا أنهم أصبحوا عالة على ذويهم، إن هذا الشعور لا ينبغي في التصور الإسلامي أن يكون موجودا بين أتباع الدين الإسلامي، ذلك أن هذا الكبير في ضعفه قوي بالله، ودعاؤه ليس بينه وبين الله حجاب، وإن من الوفاء أن يعلم شباب الإسلام حق شيبة الإسلام عليهم وأن يؤدوا ذلك بمشاعر الحب والبر.