12 سبتمبر 2025
تسجيلطعامهم الكرامة، وشرابهم الفداء، وأبواب الجنة مشرعةٌ لهم حين يرتقون شهداء إلى الله. إنهم كرام الأمة في غزة هاشم الذين تحالفت الإبادة الصهيونية الممنهجة لهم مع الجوع الذي فَغَرَ فاهُ ليبتلع الحياة من أجساد الأطفال والنساء والرجال في عالمٍ انهارت منظومته الأخلاقية والقانونية والإنسانية منذ بدأ الصهاينة حربهم الوحشية على قطاع غزة. في شِعْبِ غزة هاشم، مليون ونصف مليون من أهلنا تُظللهم أطياف الإجرام الصهيوني والصمت عن مأساتهم العظمى، وكأننا أمام لوحةٍ مرسومةٍ بدمائهم وأشلائهم، ينادون المعتصم فلا يجيبهم، ويستنجدون بصلاح الدين فلا يُلبيهم، وتبحث أنظارهم عن الكرامة العربية فتتوارى عنهم خجلاً، لكنهم يستمسكون بالعروة الوثقى بين الله تعالى وبينهم، لأنهم يعلمون يقيناً أنهم الطائفة المنصورة ببيت المقدس وأكنافه. ونحن نشهد حالات احتضارهم جوعاً ونظن أننا قد نشاركهم مأساتهم بالصوم في الشهر المبارك، لكننا نتناسى أنهم مُصَوَّمونَ قسراً لدرجة الموت جوعاً، حيث يفتك الجوع بأجسادهم، ويمتص الحياة منها رويداً رويداً.هؤلاء الكرام، كتبوا الحياة للقضية الفلسطينية من جديد، ونقشوها في وجدان الشعوب، كلها، ومزجوها بوعي العرب والمسلمين، فمهما كانت النتائج مروِّعةً، فهم المنتصرون، وحتى يأسهم، إن يئسوا، لن يعني إلا قُرب نصر الله لهم مصداقاً لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا إِنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاء َهُمْ نَصْرُنا}.هؤلاء الأحرار الذين أزالوا القُدسية عن الخرافات الصهيونية في الغرب لأول مرة منذ خمسةٍ وسبعين عاماً، فبتنا نسمع الهتاف لفلسطين في شوارع واشنطن ولندن وباريس وسواها من كبريات مدن الغرب، وأصبحت ممارسات الصهاينة رمزاً للظلم والعدوان واللاإنسانية. لقد استطاعوا كَشْفَ السِّتْرِ عن العَدَميةِ واللا معنى للصمت عن أعظم جريمةٍ في عصرنا؛ الجريمة الصهيونية في فلسطين الحبيبة.هؤلاء الأشقاء الأحبة، هم الروح في أمتنا، وهم النور في جبينها، وكلما ارتقى شهيدٌ منهم، أُضيئتْ شمسٌ في سجلات تاريخنا، ونبتت زهرة كرامةٍ وعزِّةٍ في دروب شعوبنا، وتحطمت في بيوتنا مرايا نخجل من النظر إلى أنفسنا فيها. أهلنا في غزة هاشم، يكفيهم شرفاً أن أمواتهم أحياءٌ عند الله تعالى، وأن رمضان المبارك يتنفس صبرهم وصمودهم، وأن الأمة تنظر إليهم لترى فيهم ما ينقصها، وكم كثيرٌ ما ينقصها، وكم كثيرٌ ما يمنحونه لها بتضحياتهم وفدائهم، وكم قليلٌ ما تقدمه لهم وهم يدافعون عنها وعن عقيدتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها. أما نحن، فكأننا، بصمتنا المُخزي، ننتظر رحيلهم، ذبحاً أو جوعاً، بينما الراحلون نحن وهُمُ الباقون أبداً. ويوم القيامة، سنقف أمام الله في خصومتهم معنا، فلا نستطيع النظر في وجوههم، ولا ندري ما نقول لهم والحَكَمُ بيننا هو جبار السموات والأرض. كلمة أخيرة: قوة عدوهم وعدونا مرهونةٌ بصِلَتِهِ بداعميه من الناس، في الغرب والشرق، وقوتهم نابعةٌ من صِلَتِهِم بالله تعالى، وشتَّان بينهما، وإنهم لَمنصورون إن شاء الله.