11 سبتمبر 2025

تسجيل

ما السر وراء تجنب الركود والتضخم العنيد؟

11 مارس 2024

في بيئة تعُج بسياسات تشديدية صارمة؛ من بينها ارتفاع أسعار الفائدة والتشديد الكمي وارتفاع تكاليف الاقتراض، ساد السوق وسرى بين المحللين اعتقادٌ بأن الاقتصاد كان على حافة الركود، وعلى عكس ما كان يتوقعه السوق والمحللون فقد أثبت عام 2023 مرونة كافية؛ حيث شهدنا انخفاضًا كبيرًا في معدلات التضخم في ظل الحفاظ على معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض معدلات البطالة وارتفاع معدلات الإنفاق الاستهلاكي والأداء المتميز لسوق الأسهم الأمريكية، وهنا بقي السؤال... هل سيصمد هذا الاتجاه ليأخذنا إلى هبوط ناعم؟ وما الذي يمكننا توقعه لهذا العام؟ عند بدء تطبيق السياسات التشديدية لأول مرة عانى سوق الأسهم ولم تكن الأسواق مبشرة بأي خير، إلا أن الاقتصاد قد أثبت قدرته على الصمود بما يكفي لتجنب الركود في عام 2023 متحديًا بذلك كافة التوقعات، وفي بيئة تتسم بسياساتها التشديدية وبارتفاع معدلات أسعار الفائدة تم تسجيل أداء إيجابي؛ حيث ظل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أعلى من 3 ٪ خلال الربعين الماضيين، وظلت معدلات البطالة منخفضةً بنسبة 3.7 ٪ بينما انخفض التضخم بشكل حاد من 9 ٪ إلى 3.35٪ في ديسمبر من العام الماضي. ويمكن أن تُعزى قدرة الاقتصاد على مقاومة السياسات التشديدية في المقام الأول إلى إنفاق الأُسر الذي شهد ارتفاعًا شهرًا بعد شهر على الرغم من سياسة أسعار الفائدة المرتفعة مما ساعد بدوره في الحفاظ على معدلات نشاط ملحوظة، كما أن إرشادات بنك الاحتياطي الفيدرالي حول إمكانية الهبوط الناعم كانت سببًا آخرَ معززًا للاقتصاد مما عزز بدوره أسواق الأسهم، ونتيجة لذلك يمكننا أن نعزو السر وراء الانفاق المرتفع للأفراد على الرغم من سياسة التشديد هو ارتفاع الأجور والمدخرات؛ حيث إن معدلات الإدخار الأُسري قد تراكمت خلال فترة تفشي الوباء لما يقرب من 2.1 تريليون دولار أمريكي وهو ما يفسر سبب عدم تأثر معدلات الإنفاق بارتفاع معدلات الفائدة. وبالتالي فإن جزءًا من سبب تجنب الركود حتى الآن يكمن في أن المستهلكين قد تمكنوا من تحمل الأسعار الأعلى بسبب ارتفاع الأجور ووجود مبالغ كبيرة من المدخرات، مما يشير إلى أن معدلات الإنفاق مدفوعة بشكل أساسي بالدخل وليست بأسعار الفائدة، وعلاوة على ذلك فإن نسبة كبيرة من ديون المستهلكين المُستحقة مثل الرهون العقارية وقروض السيارات كانت محصورة في معدلات منخفضة عند مستويات ما قبل مرحلة تفشي الجائحة وقد خففت كلها من تأثير رفع أسعار الفائدة. وقد خلقت متغيرات الاقتصاد الكلي القوية تلك- جنبًا إلى جنب مع إرشادات بنك الاحتياطي الفيدرالي- بيئة تبعث على التفاؤل مما رفع من معنويات السوق، ونتيجة للتقارير الشهرية الإيجابية فقد أصبح السوق أكثر اعتمادًا على البيانات، كما أن المستثمرين استندوا أيضًا في قراراتهم الاستثمارية إلى أداء هذه التقارير، وعلى الرغم من ذلك فقد يُعد الاعتماد الأكبر على البيانات قصيرة المدى مشكلة في حد ذاته؛ حيث إن أي بيانات غير مواتية يتم إصدارها قد تدفع السوق إلى مواجهة حالة من الانخفاض لا سيما في السوق القائمة على البيانات، علاوةً على ذلك فإنه يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن الارتفاع في مؤشر S&P500 مدفوع في المقام الأول بأكبر 7 شركات مما يعني أن الشركات كلها لا تعمل بنفس ذلك الأداء، ومن المهم أيضًا أن نلاحظ أن الانخفاض الكبير الذي شهدته معدلات التضخم يُعزى في المقام الأول إلى إعادة فتح الاقتصادات الكبرى وسهولة قنوات سلاسل التوريد إضافةً إلى الانخفاض الكبير الذي شهدته أسعار الطاقة. وعلى الرغم من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد توقع ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2024 فإن الأسواق تتوقع بتخفيض أسعار الفائدة بمقدار 4 إلى 5 مرات بدءًا من شهر مارس من هذا العام بسبب حالة التفاؤل الكبير المشهودة، ولسوء الحظ ونظرًا لاستعصاء معدلات التضخم الأساسي فإنه من غير المرجح أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض سعر الفائدة في مارس، ويومًا بعد يوم يفقد السوق جزءًا من حسه المتفائل مما يوضح السبب وراء احتمالية ألا يستمر هذا الاتجاه في التصاعد بل ويمكن أن يتحول إلى تشاؤم هذا إذا لم تكن البيانات القادمة كما هو متوقع خاصةً وأننا لاحظنا أن معدلات التضخم قد شهدت ارتفاعًا مرة أخرى في ديسمبر ويناير في ظل انتشار المزيد من التوترات الجيوسياسية، ومن الجدير بالذكر أن صلابة تضخم الخدمات الأساسية ترتبط بشكل أساسي بارتفاع تكاليف العمالة؛ حيث يعتمد توفير هذه الخدمات بشكل كبير على العمالة وبالتالي يمكننا أن نفترض أن نمو الأجور هو المحرك الرئيسي للأسعار في هذه المكونات، فتؤدي هذه الأجور المرتفعة إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي يؤدي ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع الأجور – حلقة متكررة، وقد يفسر هذا سبب انتظار بنك الاحتياطي الفيدرالي لسوق العمل أن يشهد حالة من الهدوء كي يبدأ في خفض أسعار الفائدة، ومن المهم أيضًا إدراك أن سوق العمل القوي ينطوي على العديد من المشكلات الأساسية من حيث طريقة حسابه.