30 أكتوبر 2025

تسجيل

القلب

11 مارس 2015

ما سمي القلب إلاَّ من تقلبه فاحذر على القلب من قَلْب وتحويل لا يزال الحديث موصولا حول المضغة الأصغر حجما والأكبر أثرا، "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" وتكمن آفة تلك المضغة في كونها سريعة التأثر بالجوارح، فتسود أو تبيض تبعا لصلاح الجارحة، فقد خرج الترمذي في سننه وصححه عن أبي هريرة يرفعه "أن الرجل ليصيب الذنب فيسوّد قلبه، فإن هو تاب صقل قلبه". فالقلوب كما أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أقسام: أولها مغلوب وثانيها منكوس وثالثها متقلب بين الإيمان والنفاق ورابعها قلب الصالحين الأتقياء الأنقياء، فعن ابن عباس وحذيفة رضي الله عنهما: "القلوب أربعة: قلب مغلوب مقفول عليه مطبوع عليه فذلك قلب الكافر، وقلب منكوس لا ينتفع به صاحبه فذلك قلب المنافق، وقلب فيه إيمان ونفاق، مثل الإيمان كالبغلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كالقرحة يمدها القيح والدم فهما يتعالجان أيهما يغلب صاحبه فيأكله، وقلب كأن فيه سراجاً يزهر فذلك قلب المؤمن" وأعظم القلوب مضرة على الإنسان تلك القاسية التي قضت من الصخر كما قال تعالى في ذم بني إسرائيل: "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" يقول القرطبي رحمه الله: (القسوة: الصلابة والشدة واليبس، وهي عبارة عن خلوها من الإنابة والإذعان لآيات الله تعالى. هؤلاء توعدهم الله عز وجل بقوله: "فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ". وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخافون قسوة القلب وتقلبه من كثرة حديث رسول الله وتحذيرهم من ذلك، روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنَّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس عن الله، القلب القاسي". والمتابع للسلف الصالح يجدهم أكثر الناس محاسبة لقلوبهم، وأكثر الناس متابعة لها، بل كانوا يرحلون إلى علماء كي ترق قلوبهم بسماع الحديث منهم، فهذا عمرو بن ميمون، يحدث أنَّ أباه ميمون بن مهران قال للحسن البصري: (يا أبا سعيد قد أنست من قلبي غلظة فاستَلِنْ لي منه، فقرأ الحسن بسم الله الرحمن الرحيم أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) قال: فسقط الشيخ فرأيته يفحص برجله كما تفحص الشاة المذبوحة، فأقام طويلًا ثم أفاق، فجاءت الجارية فقالت: قد أتعبتم الشيخ قوموا، تفرقوا، فأخذت بيد أبي فخرجت به، ثم قلت: يا أبتاه، هذا الحسن قد كنت أحسب أنه أكبر من هذا، قال: فوكزني في صدري وكزة، ثم قال: يا بني، لقد قرأ علينا آية لو فهمتها بقلبك لأبقى لها فيك كلوم. - وذكر أن الربيع بن خثيم إذا وجد في قلبه قسوةً أتى منزل صديق له قد مات في الليل، فنادى يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان. ثم يقول: ليت شعري ما فعلت، وما فعل بك، ثم يبكي حتى تسيل دموعه، فيعرف ذاك فيه إلى مثلها.وقال مالك: (كان محمد بن المنكدر سيد القراء، وكان كثير البكاء عند الحديث، وكنت إذا وجدت من نفسي قسوة آتيه، فأنظر إليه فأتعظ به. هذا حال من نظر إلى مقام ربه وعرف نفسه وأدرك أن قلب كبندول الساعة يتأرجح يمنة ويسرة، يصح ويمرض، ويقوى ويضعف، ولا يكون شفاؤه إلا بذكر الله، يقول ابن القيم رحمه الله: (القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة، والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة، وجلاؤه بالذكر، ويعري كما يعري الجسم وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة، والتوكل، والإنابة، والخدمة).