17 سبتمبر 2025

تسجيل

نحن الأكثرية يا إخوان!

11 فبراير 2013

ما خفي كان أعظم، وما الظاهر يقل عنه، الصراع بات مفتوحا، وكل ما كان غير المفكر به أو من المستحيل التفكير به خرج مثل الإفرازات الكريهة. الوضع قبل ذلك كان يبدو ساكنا وفي كثير من الأحيان ميتا. وكل المصطلحات التي عرفناها وحفظناها مثل الديمقراطية والحرية والمساواة تعرت وانكشفت في كل اختبار تدخله وما زالت. وتحولنا سريعا إلى طوائف وقبائل متناحرة تقاتل بعضها البعض في العراق، وسوريا، واليمن، ومصر وتونس والمغرب والأردن حتى في بعض دول الخليج والمحيط، بين العرب والكرد، المسلمين والأقباط، السنة والشيعة، والمعارضة والحكومة، والإخوان والسلف والليبراليون واليساريون والعلمانيون والقوميون. اختلطت المفاهيم وربما لم تصل منذ أن تم التعرف عليها ودخولها في القواميس العربية، وظن الكثير أن الأرقام الكثيرة التي تأتي عن طريق الانتخابات هي التي تعبر عن الديمقراطية. والفاجعة أن يتم السيطرة على كل المقدرات وصناعة القرار والتحكم في العباد والبلاد من خلال استبداد الأكثرية من خلال كسر عنق كل الأدوات التي تستخدم لنجاح الديمقراطية في المجتمعات الإنسانية. ورغم أن أبسط تعريفات الديمقراطية هو(حكم الشعب) إلا أنها قد أصبح لها على مستوى الاستخدام الاصطلاحي والسياسي على أكثر من ثلاثمائة تعريف مختلف. التعاريف والمصطلحات ليست مهمة، بل الممارسة، والتي قد تؤدي إلى النجاح أو الفشل، والممارسة الديمقراطية في التجارب الناجحة عبر الزمن تقوم على إدارة الاختلافات والمصالح المتعارضة وفق آليات وضمانات ومؤسسات دستورية ومدنية. الديمقراطية عقد مدني، والبند الأول في هذا العقد ينص وكما يقول المصريون (يا نص يا ثلث يا ربع) على تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع. الانتخابات قد تأتي بأغلبية مؤقتة (50+1) وهي تقرر في أمور كثيرة ولكنها لا تنتهك المسائل التي تدخل في صلب حرية الرأي وحريات الناس وحقوقهم المدنية والاجتماعية والفردية والشخصية. الأقلية لها الحق في انتخابات قادمة وأن تعود غالبية، وليس من حق الغالبية اليوم أن تنكر وتنفي حق أقلية اليوم في أن تصبح غالبية الغد، من دون ذلك لا ديمقراطية كما يشير جورج طرابيشي. الديمقراطية إذا أسيء استخدامها تأتي بنتائج عكسية قد تتحول إلى طغيان، وإلى دكتاتورية العدد كما يذكر فريد زكريا. الديمقراطية أعدمت سقراط وصعد على ظهرها طغاة وديكتاتوريين ومستبدين بنيتو موسوليني الإيطالي عام 1922م، وأدولف هتلر الألماني عام 1933م، وفرانسيسكو فرانكو الإسباني عام 1939م، ودكتاتور تشيلي أغوستو بينيوتشيه عام 1973م، وصدام العراق، بن علي تونس، ومبارك مصر، والأسد سوريا، وطالح اليمن، والبقية الباقية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. في نقد مصطلح الأكثرية يشير جورج طرابيشي إلى النموذج الهندي ويتساءل: ماذا لو حاول الهندوس هناك فرض أنفسهم على ثقافة المجتمع باسم الأغلبية؟ وقام حزب "بهارتيا جناتا" الهندوسي اليميني المتطرف، برفع شعار ديمقراطي يقول: "أنا لن أقوم بانقلاب، أنا سأخوض الانتخابات على أساس ديمقراطي، ولكن نظراً لأن الهندوس هم الغالبية الكبرى في الهند، فمن الواجب أن تكون لغة الهندوس وديانة الهندوس وثقافة الهندوس هي السائدة، وما على الأقلية المسلمة، إلا أن ترضخ لحكم الهندوس. الدرس الأكبر في الديمقراطية والذي يجب على العالم العربي أن يستوعبه بعد التغيير والثورات يكمن في عدم احتكار السلطة من قبل أي جهة فرداً كانت أو فئة معينة تحت أي شعارات كان أيدلوجية قومية، وطنية، ليبرالية، يسارية، دينية أو مذهبية.