14 سبتمبر 2025
تسجيللطالما بحث العلماء وسُحر الأدباء بموضوع العمر السعيد المديد، ومن منا لا يشتهي عمراً أبدياً يصيب ويخطئ فيه، حتى يُتاح له تصحيح أخطائه والوصول إلى كامل إمكانياته؟، هذا كان موضوع بحث الكاتب الأمريكي دان بويتنر في كتابه (حل المناطق الزرقاء)، الذي تحدث فيه عن خمس مناطق في العالم تتركز فيها مجموعات كبيرة ممن تزيد أعمارهم على التسعين عاماً، يعيشونها بهمة ورضا، وكأنهم شباب بلا أمراض مزمنة ومنهكة،هذه المناطق هي آيكاريا في اليونان، وآوكيناوا في اليابان وأوقلياسترا في سردينيا ولوما لندا في كاليفورنيا وشبه جزيرة نيقويا في كوستاريكا. يعيش الناس في هذه المناطق عمراً سعيداً وطويلاً وفق ما رآه دان بويتنر وفريق البحث الذي صاحبه في رحلاته إلى هذه المناطق من العالم، وقد لاحظوا عوامل مشتركة فيما بينهم، تزيد من عمرهم وعمر سعادتهم. أولها هي الحركة، يشترك المعمرون فيما بينهم بأنهم يتحركون طوال الوقت، يتنقلون بالمشي لا السيارات ووسائل المواصلات العامة، يطبخون طعامهم، يصلحون ما يقدرون عليه بأيديهم، يزرعون حدائقهم.. وهكذا.. يقومون بكل شيء بأنفسهم دون أن يعتمدوا على غيرهم أو على الآلات. ثانياً، لحياتهم معنى، أي ما يسميه اليابانيون بالإيكيغاي. يستيقظون الصباح لسبب معين، إما الاهتمام بعائلتهم أو أصدقائهم أو الذهاب لعمل يحبونه أو للقيام بهواية تسعدهم، وتضيف البهجة لحياتهم. ثالثاً، تخفيف توتر وأعباء الحياة عبر الانفصال عن الواقع يومياً، إما عبر الصلاة أو الخروج مع الأصدقاء أو أخذ قيلولة بعد العمل. رابعاً، الأكل الصحي، جميعهم يأكلون طعاماً من بيئتهم ويعتمدون على الخضراوات والفواكه في حميتهم الغذائية، تاركين اللحوم للمناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى تبنيهم لقاعدة الأكل حتى تمتلئ ٨٠ ٪ من مساحة المعدة فقط، وتركهم لباقي ٢٠٪ من المعدة خالية. أخيراً، جميع المعمرين غير وحيدين، إما لديهم عائلة تحبهم وتهتم بهم ويهتمون بها، أو لديهم أصدقاء يبادلونهم العناية والاهتمام، وقد أثبتت الكثير من الدراسات العلمية أن الإنسان الذي يمتلك علاقات اجتماعية صحيّة - العبرة بنوعية العلاقات لا عددها - يعيش لمدة أطول من الإنسان الذي يعيش لوحده وبوحده. أسباب العمر الطويل والسعيد ليست مستحيلة، ونستطيع تبنيها على مستوى الدول والمدن كما تم النجاح في تبنيها في أماكن أخرى حول العالم مثل منطقة شمال كاريليا في فنلندا، والتي كانت فيما مضى مركزاً لأعلى نسبة أمراض قلب في العالم، ومن بعد جهد وعمل خمس سنوات في محاولة تغيير حياة الناس هناك، نزلت نسبة الموت بالسكتة القلبية بين الرجال بمقدار ٢٥ ٪، ونسبة الموت بسرطان الرئة بقدر ١٠ ٪، وتشجع بقية الفنلنديين هذه التغييرات، فارتفع متوسط عمر الفنلنديين بشكل عام بما يقارب عشر سنوات. هذه التغييرات ليست عصيبة على مستوى الأفراد أيضاً، كل ما علينا فعله هو أن نولي حياتنا اهتماماً أكبر، وأن نهتم بتفاصيلها.. ابتداء بكم حركتنا وجودة غذائنا ونوعية علاقاتنا.. عندها سنعيش عمراً أسعد وأطول بكامل قوانا العقلية والجسدية، ومن يستطيع القول إننا لا يمكننا الوصول لقمة المائة؟.