12 سبتمبر 2025

تسجيل

صاحب البئر

11 يناير 2017

تركض الموهبة وحدها في أوّل الشوط، يتيمة، غشيمة، ولكنّها مبهرة في الوقت ذاته، بسنارةٍ قديمة تصطاد سمكًا ملوّنًا، وتبيعه بثمنٍ بخس، وقد تجد سماسرة يعيدون توضيبها، وبيعها في حارات 5 نجوم، صاحبها الشاعر الناشئ أو الشابّ أو الواعد، ومكان الاحتفاء به المسابقات المسقوفة بأستذة تدّعي المعرفة والأبوة والحنان. كلّما تقدما قليلًا في التجربة تمايز الموهوب عن الموهبة، ومشى كلاهما إلى النصّ، أحدهما يتّكئ على الآخر - في الأغلب- وقد يحمله، ويسهر على راحته في مستشفى، أو دار للعجزة، ويقضي كلاهما دون الوصول إلى عشبة الخلود.ليس للموهبة وحدها، أو الموهوب وحده، كبير أثر في النصّ الخالد، ذلك أن النصّ الخالد ينتظر لمسة لحظة قدرية استثنائية تحوّل الفحم إلى ماس، ربّما هو القدر التراجيدي الذي يجعل الكلام البسيط -وليس التافه- ذا قدرة استثنائية في التأثير، وربّما هو عامل الزمن الذي تتخمّر فيه نصوص قديمة، تنتشي بها أجيال جديدة.تخون الموهبة الموهوب، كما تحدث الخيانات في حياتنا عادةً، خيانة امرأة، خيانة صديق. تبتعد عنك فجأة كأنكما لم تثملا يومًا في نصّ. الكاتب الذي يستحق الرثاء هو من يركض وراءها في كتابات متوالية، كتابات تشبه طلقات صيد مغشوشة لم تصطد عصفورًا واحدًا، وقد ينفق الموهوب وقتًا وجهدًا، وهو يحسب أنّه في الطريق إليها، كما حدث لصاحب البئر، الذي حفر عميقًا، فلما وصل إلى نبع الماء، سدّه بطاقيّته، لينظّف تحته، ويعمّق له، فلمّا أعدّ المكان المناسب، نزع طاقيته، ولكنّه لم يجد الماء، التي انسربت في فجوات غير مسدودة. كلّما تذكرت أصدقائي الموهوبين الذين ينقطعون إلى الدراسة، لتعميق معرفتهم بأدوات الإبداع، تذكرت حكاية صاحب البئر.