03 نوفمبر 2025
تسجيللا تختلف إحصاءات الموازنة العامة لسلطنة عمان للسنة المالية 2015 بشكل جوهري عن الأرقام المعتمدة وليست بالضرورة الفعلية لعام 2014 وذلك على الرغم من انخفاض أسعار النفط. من جملة الأمور، يشير هذا الأمر إلى إصرار السلطات بالحفاظ على الأنشطة الاقتصادية لمواجهة التحديات مثل البطالة والرغبة في الاستفادة من الفرص المتوافرة.باختصار، تبلغ نفقات وإيرادات موازنة 2015 نحو 36.6 مليار دولار و 30 مليار دولار على التوالي الأمر الذي يترجم إلى عجز بمستوى 6.6 مليار دولار.مما لا شك فيه، يعد العجز المتوقع أو الدفتري ضخما كونه يشكل 8 بالمائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وحسب أحدث الإحصاءات، يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة قرابة 82 مليار دولار أمريكي.. يعتبر الاقتصاد العماني خامس أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي بعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت لكن قبل البحرين.يشار إلى أن مشروع الاتحاد النقدي الخليجي وهو المشروع الذي قررت عمان عدم الانضمام إليه بغية التمتع بمطلق الحرية الاقتصادية يقيد عجز الموازنة عند 3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا الإطار، بدأت أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي وهي السعودية وقطر والكويت والبحرين بتنفيذ متطلبات مشروع الاتحاد النقدي مطلع 2010.وربما تتغير الأرقام الفعلية لموازنة 2015 بالنظر لبعض التجارب الماضية.. على سبيل المثال، تشير الأرقام شبه النهائية لعام 2014 إلى بلوغ قيمة المصروفات نحو 37.5 مليار دولار مرتفعا عن الرقم المخطط له وقدره 35.1 مليار دولار أمريكي.. كما تقدر الإيرادات بنحو 36 مليار دولار مقارنة مع 30.4 مليار دولار وهو الرقم المعتمد في الموازنة. وهذا يعني انحسار العجز عند 1.5 مليار دولار بدلا من 4.7 مليار دولار. اللافت بأنه عكس العادة، اختار المسئولون عدم الكشف عن سعر النفط المستخدم في حساب الإيرادات وربما يؤكد صعوبة تحديد متوسط بسبب التقلبات التي تشهدها سوق النفط العالمية. يعتبر القطاع النفطي بما في ذلك الغاز المصدر الرئيسي لدخل الخزانة مشكلا في المتوسط 76 بالمائة من مجموع الإيرادات.. بدورها، تنقسم هذه الإيرادات النفطية إلى 63 في المائة للنفط و 13 بالمائة للغاز. بل تعززت مساهمة القطاع النفطي في الاقتصاد الوطني في السنوات القليلة عندما كانت أسعار النفط مرتفعة نسبيا قبل انخفاضها في الآونة الأخيرة.بالعودة للوراء، تم إعداد موازنة السنة المالية 2014 عبر افتراض متوسط سعر 85 دولارا للبرميل.. وما يثير القلق استمرار ظاهرة انخفاض أسعار النفط لعدة شهور متتالية وصولا لأقل من 50 دولارا للبرميل مع بداية 2015 وهو المستوى الذي لم يصل إليه لعدة سنوات.من الجانب الإيجابي، تنوي السلطات تنفيذ إصلاحات اقتصادية في إطار التكيف مع معضلة هبوط أسعار النفط. من بين أمور أخرى، من المقرر تنفيذ برنامج جديد للخصخصة خلال السنوات الثلاث المقبلة الأمر الذي من شأنه الحد من العبء المفترض على القطاع العام.ويدعو مشروع آخر لإعادة هندسة برنامج الدعم وخاصة المنتجات البترولية والكهرباء. حاليا، يستفيد الجميع بمن فيهم الوافد والمقتدر على الإعانات الحكومية، طبعا على حساب التمويل العام، وهو ما يعتبر على نحو متزايد أمر غير مستدام. وفي كل الأحوال، يعد هذا الموضوع مثيرا للجدل ويجب أن يصل الدعم لغير المقتدر مواطنا كان أم وافدا.حقيقة القول، يمكن تفهم خيار الإصلاحات الاقتصادية في عمان بالنظر للحاجة لتعزيز دور القطاع الخاص في الشأن الاقتصادي.. تشكل نفقات الموازنة العامة للسنة المالية 2015 قرابة 45 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي يؤكد الدور غير العادي للحكومة في الأنشطة الاقتصادية. تقليديا، ظل الإنفاق الحكومي أقل من 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعكس هذا التغيير بشكل جزئي النمو المطرد للإنفاق العام بالمقارنة مع مستوى التوسع الاقتصادي.لحسن الحظ، لا يشكل حجم الإنفاق الحكومي القوي ضغوطا تضخمية، إذ يبلغ معدل التضخم 3 بالمائة وذلك في ظل غياب ضغوط العوامل الخارجية أو ما بات يعرف بالتضخم المستورد. ففي ظل تراجع الأسعار، لا يوجد مبرر لدى الدول المستوردة للنفط بزيادة قيم منتجاتها القابلة للتصدير.وعلاوة على ذلك، من شأن الإنفاق القوي المساعدة في معالجة تحدٍ اقتصادي مقلق وهو ارتفاع معدلات البطالة. فوفقا لتقرير أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي نهاية 2014 حول العمل في العالم العربي، تبلغ معدل البطالة في سلطنة عمان نحو 8 بالمائة، وهو الأسوأ ضمن دول مجلس التعاون الخليجي.. كما تبلغ نسبة البطالة في أوساط الشباب حوالي 20 بالمائة، وهو ثالث أسوأ نتيجة في المنظومة الخليجية بعد السعودية والبحرين.بالنظرة للأمام، يعكس قرار مؤسسة ستندارد أن بور العاملة في مجال التقييمات الائتمانية بتغيير النظرة المستقبلية من إيجابية إلى سلبية الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه عمان. الاقتصاد الخليجي الآخر والذي يعاني من نظرة مستقبلية سلبية هو الاقتصاد البحريني بسبب تباين الإيرادات والنفقات ما يعكس وجود مشكلات هيكلية في المالية العامة.نقطة التعادل في موازنة الاقتصاد العماني تفوق عن متوسط 100 دولار للبرميل وهو أمر غير متوافر في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور.. وهنا يتطلب تعزيز فرص الحصول على موارد غير النفطية مثل العوائد على القطاع السياحي بالنظر للإمكانيات السياحية التي تتمتع بها السلطنة والحال كذلك مع القطاع الصناعي.مهما يكن من أمر، يتوقع أن تساهم نفقات موازنة 2015 بتمهيد الطريق أمام معالجة بعض التحديات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية إضافة لتعزيز المزايا التنافسية في السلطنة وعلى الخصوص في قطاعات الخدمات مثل السياحة إضافة إلى القطاع الصناعي.. والأمل أن يتم تحويل التحديات إلى فرص اقتصادية.