12 سبتمبر 2025
تسجيلأهم درس تعلمناه من "الربيع العربي" أن الديمقراطية ثقافة، وليست صناديق اقتراع وعملية انتخابية حصرا. صعد على ظهر الديمقراطية وآلياتها أشخاص وانظمة حكم تسلطية وديكتاتورية لعقود عجاف، ولما نجحت تداعيات الخروج إلى الشوارع العربية، قطفت ثمارها الأيديولوجيات الدينية والمذهبية والعشائرية والطائفية، لتعود مجبرة صاغرة إلى العيش قهرا وظلما تحت أحذية العسكر ومخالب وأنياب الدولة العميقة؟! لقد اتضحت ملامح الواقع المرير بعد تعثر مخرجات "الربيع العربي" حيث نعيش اليوم أزمة وعي بالديمقراطية وفهمها واستيعابها وممارستها كمنهج حياة، ولا تكمن الأزمة في النظام السياسي ومؤسساته ورموزه والنخب الفكرية وإنما تتغلغل لتصل جذورها إلى البنية الفكرية والعقلية الاستبدادية ذات النزعة الأبوية البطرياركية والثقافة التقليدية اللاديمقراطية. فشلت مجمل التجارب الديمقراطية في العالم العربي بسبب غياب التحول العميق في الحياة والسياسة الاجتماعية والاقتصادية، والدينية، والثقافية، والتي تغلغل في مفاصلها الاستبداد والفساد والتخلف والقمع والظلم وعدم احترام مبادئ حقوق الإنسان. في غياب ثقافة ديمقراطية حقيقية يصوت الناخبون حسب انتماءاتهم الطائفية والعشائرية والحزبية ومصالحهم الخاصة، وتاريخيا لم تجد الديمقراطية موقعا راسخا لها في تاريخ وتقاليد العرب إلا نادرا. وإذا انتقلنا من دول المحيط إلى الخليج فالمشهد كما يشير الباحث، محمد السعيد إدريس، في تناوله ممارسات التجربة الديمقراطية في منطقة الخليج أن هناك تطورت في هيكلة الدولة ومؤسساتها العصرية، وتطور السوق الخليجي بدرجة تفوق تطور البنى الأساسية للمجتمع الخليجي وبدرجة تفوق تطور العلاقات الاجتماعية والقيم الاجتماعية في المجتمع الخليجي، فبعض المدن الخليجية تضاهي الآن في مستوى تطورها وحداثتها الكثير من المدن الأوروبية في الكثير من مظاهر الحياة العصرية الحديثة، المطارات والشوارع والأسواق والأبنية وغيرها، لكن المجتمع الخليجي في جوهره وقيمه وعلاقاته لا يزال مجتمعا تقليديا، تحكمه القبيلة والعشيرة ويخضع للقيم والعلاقات الموروثة. والتباين بين مستوى تطور الدولة ومستوى تطور المجتمع يعد من أهم أسباب تعثر الديمقراطية؟! الديمقراطية إذاً، كما يقول عبد الله العروي إنها «لا تحلّ بعد ثورة أو تغيير شامل في الآفاق والنفوس»، وإنما هي (ما نجرّب، ما نرى ونلمس، وما لا نفتأ نجدّد ونصحّح).