10 سبتمبر 2025
تسجيلردد الجميع تعبير أن الدستور عقد اجتماعي يتوافق عليه أبناء الوطن وقواه الاجتماعية، وعندما واتتهم الفرصة اتخذوا منه أداة لإعادة ترتيب القوي الاجتماعية خصما من حساب الشعب ولغايات غير التي يريدها، حالة انقلاب على الشعب عصب الثورة التي لا علاقة للأحزاب بها، ويتولي أمر الانقلاب على هدف الدستور من لا يملكون حقا غير أن الصدفة واختيارات مجهولة المنبع أتت بهم. هل قدر هذا الشعب أن يعطي من لا يملك لمن لا يستحق أمر تقرير مستقبل الوطن متجاهلا إرادة شعبية عبرت عن قدرتها في موجات متعاقبة وأزاحت نظامين، على أن تؤول سلطة الدولة لمن يعبرون وبصدق عن الثورة. اللحظات المفصلية في تاريخ الأمم تستوجب شجاعة مواجهة التحدي، وتمييز طبيعة التحدي، والاستعداد لدفع ثمنه، وغير ذلك هو إهدار للعمل الشعبي الذي أطاح بالعجز قبل أن يطيح بالأنظمة، وتجاوز التيارات والأحزاب، واستعاد الدولة، وحال دون انهيارها. التصحر السياسي في مصر جعل الكيانات السياسية نبت بري منبت الصلة بالمجتمع وقواه الاجتماعية، كالكلأ في البادية لا تتجاوز قيمته سوى أن ترعى عليه الأغنام. والغريب في الأمر أن ثورة الشعب وموجاته المتتالية أنتجت إقطاعا سياسيا ولم تنتج سلطة الثورة. وتمكن الإقطاع السياسي على غير معطيات الواقع والحركة الشعبية، حتى أن مقولة بدت همسا وآخذة في التصاعد حول ما جري في يونيو تقول "ليته كان انقلابا"!، دلالة كفر بالكيانات السياسية القائمة، والتي فرضت وللمرة الثانية خارطة طريق تحاصر الإرادة الشعبية وتستفزها، فما أن ذهب مبارك، حتى فتحوا الباب على مصراعية للإخوان وبمباركة أمريكية، وما أن ذهب الإخوان كنظام ليبدأوا حالة من العنف المريب، تم تسليم القرار في أمر الدستور إلى العجز السياسي أو الإرهاب السياسي الذي نجح وبرعاية أمريكية أن يحاصر ثورة يونيو باتهام أنها انقلاب عسكري، وتنشغل مصر الدولة في الدفاع عن نفسها، رغم ما كشفته المعلومات عن تماهي الإخوان مع أمريكا والكيانات الجهادية التي تحاول تكرار المشهد العراقي في مصر. من حدد أعضاء لجنة الخمسين؟ سؤال إجابته المباشرة هي الرئيس المؤقت ونائبه المستقيل ومستشاريه، ومن هم هؤلاء؟ سؤال تحمل الإجابة علية صفة القدرية. يبدو المشهد الآن في مصر أن هناك محورين للعمل، او هناك إيحاء بذلك. الأول يمثله الجيش في مواجهة الجماعات المسلحة في سيناء وتمتد المواجهة علي محيط الحدود المصرية. والمواجهة تصاعدت بعد 26 يوليو 2013 لتصبح مواجهة، لا تصل للصدام، مع أمريكا والناتو، وتدخل روسيا على خط تواصل مع مصر، ليس لمجرد الدعم السياسي ولكنه يشمل تحديث السلاح، وهو ما تحتاجه القوات المسلحة المصرية. ودخلت السعودية والإمارات العربية والكويت علي محور دعم اقتصادي، وبدأ الجيش أيضاً في عدة مشروعات عاجلة بامتداد خطوط السكك الحديدية والطرق والإسكان. الثاني كان تنفيذ خارطة الطريق التي أصابها العوار الأول باختيارها تعديل الدستور، ثم اختيار لجنة التعديل، ووضع بعض الكريمة عليها من رجال لهم وزنهم وأيضا بإضافة شباب من حملة تمرد إلى عضويتها، وكأنهم جاؤوا لاستكمال انقلاب مبارك علي دستور 1971، وفي غيبوبة عن حقيقة العلاقة بين الجيش والدولة والتي كانت درس هزيمة يونيو 1967 الأول. دستور الثورة كان مطالب بتحديد النظام الاقتصادي بعد أن تعامل مبارك مع كلمة "الاشتراكية" في دستور 1971 بالمحو، خطوة كان السادات قد بدأها علي الصعيد الاقتصادي بسياسة الباب المفتوح، ووصفه يومها أحمد بهاء الدين - والد زياد بهاء الدين نائب الببلاوي للشؤون الاقتصادية - بانفتاح "السداح مداح"، وهو تعبير عن ضياع القواعد وان يفعل كل من هب ودب ما شاء، ويومها وصفهم كامل زهيري نقيب الصحفيين "كنا فيما سبق مع رأسمالية البيوتات والآن نرى رأسمالية البوتيكات"، لينتهي الأمر إلى نزع أراضي الإصلاح الزراعي بالقوة من الفلاحين، ثم الخصخصة لهدم القطاع العام وإحالة العمال إلى المعاش المبكر. وانتقل مبارك إلى مرحلة تزاوج الثروة مع السلطة، وصار الشعب عبيد إحسانات مبارك وانعدام النظام الاقتصادي. ولم يحاول أحد أن يبحث ماهية النظام الاقتصادي القادر أن يعبر بمصر حالة الإفقار (40%) تحت خط الفقر، وأي قارئ للدستور لا يجد تصورا متماسكا للتنمية، ولكنها كلمات وعبارات لا تكون نظاما. وكانت النقطة الثانية هي الفرز والتطهير، للتخلص من مكونات نظامين سيطرا علي إدارة الدولة، ولكن رئيس لجنة الدستور يصرح أنه لا عزل سياسيا!، وجل مقوماته انه كان مرشحا للرئاسة وعلاقته بالثورة محاولة لدخول ميدان التحرير ذات يوم، واعترضه أهل التحرير في حينها وأخرجوه. وثالثة القضايا وأكثرها حساسية، هي العلاقة بين الجيش والدولة، وهو أمر لا ترفضه المؤسسات العسكرية المحترفة بل هو داعم لها، ولكن تناول أمر الجيش بما جرى أحال الجيش من مؤسسة القتال والقلب الصلب للمجتمع، إلى فئة وليس مؤسسة محترفه. وبات واضحا أن الجيش لا يثق في النظام القادم ووضع مادة انتقالية تفرض اختيار وزير الدفاع والقائد العام من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة. ثم الحملة الإعلامية بأن الموافقة على الدستور تعني رفض الإخوان!، ولا أرى هذا الرابط سوى استخدام المشاعر الرافضة للإخوان، وان الموافقة تعني دعم مواجهة الإرهاب، وأنها تعني نعم لـ 25 يناير و30 يونيو، وكل هذا لا رابط بينه وبين الموقف من الدستور. ليس من المنطق أن يجرد العمال والفلاحين من مكسبهم النيابي، بينما البحث عن المصالحات مع الفساد، والإخوان، يتم كأنه قدر محتوم. من يجهض حركة الشعب؟، وهل يقبل جيش العمال والفلاحين هذا الانقلاب على القوى العاملة في مصر؟، وكيف الأمر بعد إقرار الدستور والدخول لباقي استحقاقات خارطة الطريق؟، وهل سيبقى الشعب قابلا بالإقطاع السياسي أم أننا أمام معضلة جديدة في مسلسل الفرص الضائعة؟.