11 سبتمبر 2025

تسجيل

هل أفسد المستبدون الأدب؟

10 ديسمبر 2010

إن شئت أن تعرف أسباب ضعف الإنتاج الأدبي العربي الحديث، وانفصاله من طموحات الأمة، فاعلم أن الاستبداد قد أفسد أدبنا وثقافتنا كما سمم حياتنا، وشل طموحاتنا وزاد فقرنا. فمنذ أعوام قليلة اعترف وزير ثقافة دولة عربية مهمة بأنه يشتري أديباً بوجبة عشاء، ويشتري آخر بمنصب. فماذا نتوقع من أديب يشترى بلقمة سوى أن ينتج قصيدة غامضة يسب فيها أمته ويتطاول على الذات الإلهية، أو رواية ساقطة ليس لها قيمة حقيقية بكل مقاييس الأدب، تتحدى مشاعر المسلمين وتسيء إلى مقدساتهم لأن ذلك يعجب الغرب الذي يتبعه المستبدون العرب. والأديب الذي اشتراه المستبدون بوجبة عشاء من الطبيعي أن يقطع علاقته بثقافة وطنه، ويحاول أن يبحث عن أسوأ ما في أمته فذلك يرضي أسياده المستبدين الذي يخافون من القوى الإسلامية التي تكافح لبناء مشروع حضاري. المستبدون يعرفون أن هذا المشروع يكسب كل يوم مزيداً من الأنصار، وأنه يشكل مقاومة شاملة للاستعمار والاستبداد ولذلك فإن المستبدين العرب يستخدمون الأدباء الذي اشتروهم بعشوة طبقاً لتعبير وزير الثقافة لكي يقوموا بإلهاء الجماهير وتزييف وعيها وخدمة صناعة التسلية وتضييع جهد الحركة الإسلامية في مواجهة بعض الأعمال التي تسيء إلى الذات الإلهية أو المقدسات والرموز الإسلامية. وفي الوقت نفسه يتم تصوير الحركة الإسلامية بأنها ضد الإبداع وتهاجم الأدباء وتريد تقييد حرية الرأي والتعبير، وأن كل ما ستفعله إذا وصلت للحكم هو تقييد حرية الإبداع والثقافة والفكر. وهذا يعني أن الأدباء قد تحولوا إلى وسيلة يستخدمها المستبدون في تحقيق أهدافهم ومحاربة معاركهم مع القوى التي تحافظ على ثقافة الأمة. ولم يحارب هؤلاء الأدباء دفاعاً عن كرامتهم التي أهانها المستبدون. بعد أن حصلت على درجة الدكتوراه دعيت إلى مؤتمر في الجمعية المصرية للتشريع لأتحدث عن الرقابة.... وخلال الجلسات التي سبقت الجلسة التي تحدثت فيها كانت هناك مطالبة مستمرة من القاعة بمناقشة مشكلة الرقابة باعتبارها أخطر المشكلات التي تقيد الحرية... وهو الأمر الذي أدى إلى وقوف الأستاذ كامل زهيري ليطمئن الجميع إلى أن المشكلة ستتم مناقشتها في جلسة متخصصة وأنه تمت دعوتي لأقدم الرؤية العلمية. وكما توقع الأستاذ الكبير كامل زهيري فقد قدمت عرضاً لاستخدام السلطات الاستعمارية والاستبدادية للرقابة منذ عام 1914، وأوضحت كيف أن هذه السلطات قد أعاقت تطور الصحافة ووسائل الإعلام والثقافة، وطالبت الحضور بأن تبدأ مرحلة جديدة من الكفاح ضد الرقابة. لكن مجموعة من مدعي الثقافة، والذين يصورون أنفسهم بأنهم ينتمون لليسار عبروا عن غضبهم علي لأنهم كانوا يريدون أن أركز على الرقابة التي يمارسها الأزهر باعتباره مؤسسة دينية على الإنتاج الأدبي وتقييد حرية الإبداع، ومنع نشر المواد التي تسيء إلى رموز الإسلام. وبأسلوب علمي ناقشت الاعتراضات وأثبت أن السلطة هي التي تقيد حرية الأدب والثقافة والصحافة والإعلام. وأننا نكافح لنحمي حق الأمة في حماية حرية الجميع وليس حماية حرية مجموعة من التابعين للسلطة في الهجوم على الإسلام. هذه التجربة أوضحت لي الكثير من الحقائق وهي أن السلطة المستبدة والأدباء التابعين لها يريدون الحرية بمعنى محدد هو حرية استخدام التعبيرات الجنسية التي تصدم الحياء الإنساني، والهجوم على المقدسات والرموز الإسلامية.. ولكنهم لا يريدون الحرية للكفاح ضد الاستعمار والاستبداد ولحماية حقنا في تطوير صناعة المضمون الثقافي والإعلامي وبناء مجتمع المعرفة. وهم لا يريدون أن يكون الأدب وسيلة لتشكيل وعي الأمة، والكفاح لتحقيق الاستقلال الثقافي والحضاري، ولتحقيق الديمقراطية والعدالة ومقاومة الاستبداد. ولذلك فإن الأدباء الذين اشترتهم السلطة بعشوة يثورون ضد أية محاولة حتى من جانب المؤسسة الإسلامية الرسمية مثل الأزهر إذا طالبت بمصادرة رواية تافهة تسيء إلى الإسلام. كأن هؤلاء قد أرادوا اختزال الحرية في الهجوم على الإسلام وفي استخدام الجنس. وفي الوقت نفسه كانت السلطات المستبدة تمنع نشر الكثير من الإنتاج الأدبي الملتزم بقيم الإسلام والذي يكافح ضد الاستعمار والاستبداد، ولأن معظم دور النشر الخاصة لا تنشر سوى القليل من الكتب التي تعتقد أنها ستحقق أرقام توزيع كبيرة لأسماء مشهورة، فلم يستطع الكتاب الذين تكرههم السلطات والتي لا تنشر لهم وزارات الثقافة والهيئة العامة للكتاب أن ينشروا إنتاجهم رغم أهميته. وهكذا سيطرت السلطات على الأدباء ووجهتهم واستخدمتهم لتزييف وعي الأمة واشترت معظمهم بوجبة عشاء... أما الذين حرصوا على كرامتهم وشرفهم وضمائرهم واعترفوا بانتمائهم لأمتهم فقد ظلوا مغمورين. واتجه معظمهم إلى البحث عن لقمة خبز شريفة وهجر الأدب والثقافة.