15 سبتمبر 2025

تسجيل

صناعة المسرح وما يصنعه المناعي

10 نوفمبر 2015

أن نقول إن المسرح هو مرآة المجتمع، التي التزمت بترجمة كافة الأحداث المؤثرة على حركة الأفراد في الواقع من جهة، والمتأثرة بها من جهة أخرى، حتى غدت – والحديث عن تلك المرآة المتعهدة بتمثيل المسرح -، قادرة على التمسك بمكانتها بين غيرها من الوسائل المُنافسة ضمن ذات المجال، وتحديداً تلك التي تمكنت من احتلال الصدارة فيما يتعلق بجذب المتلقي - غير أنها لم تتمكن من إلغاء وجود المسرح، أو سلب ما له من أدوار قادرة على إحداث التغييرات المرجوة - ليس بالأمر الجديد بتاتاً، فهو ما قد ذُكر كثيراً مراراً وتكراراً بعد أن احتضنته العديد من الصفحات؛ لذا وحين نسلط الضوء عليه من جديد فإن ذلك لا يعني البتة أننا نود التركيز على حقائق مُعلبة نروج لها بين الحين والآخر، ولكنه ما يكون منا؛ تعبيراً عن التزامنا بما علينا من أدوار أهمها التذكير بوجود (المسرح) ومن أنه على قيد الحياة، يبث أنفاسه التي لم يقطعها الجري ولمسافات طويلة خلف مزاجية الأذواق المختلفة، وهو ما يعني وبكلمات أخرى أن المسرح لازال محتفظاً بكرامته ومكانته، فهو (أبو الفنون) الذي يجمع تحت عباءته كل الفنون الأخرى، وهي الحقيقة التي سيتفق عليها كل من يعرف (ماهية المسرح)، ولن يلتفت لسواها مهما كان حجم المُغريات التي تحوم من حوله؛ كي يفعل ذلك.إن التحدث عن المسرح خطوة تروقني فكرة الإقدام عليها، وما يروقني أكثر هو متابعة جديدة؛ لذا وحين يتعلق الأمر بالجديد فلاشك أن أولى من يستحق منا متابعته وتسليط الضوء عليه، هو كل من يتميز بجودة ما يقدمه، وما يحرص على تقديمه دوماً ولعدة أسباب يكفيني منها الآتي: 1- المحافظة على كرامة المتلقي من الخدش، وذلك بتقديم الأعمال المتميزة بجودة عالية ترفع من شأنه دون أن تبخسه حقه، والحديث عن حرمة المضمون، التي لا يجوز تجاوزها بتاتاً، والمحافظة على تلك الحرمة سليمة دون المساس بها نقطة تُحسب لمن يلتزم بها، وتمنحه جاذبية أكثر تُقربه من الجمهور المتلقي والمتميز بدرجة عالية من الوعي. 2- ترك بصمة دائمة في ذاكرة المتلقي لا يمكن أن يمسحها الزمن حتى وإن طال، وفي التاريخ نماذج تؤكد لنا ذلك. 3- الحصول على فرصة ذهبية؛ لصناعة أسماء لامعة تنبذ الكم الفارغ، وتُقبل على الكيف فقط، وبما أن الأمر يتعلق بـ (الكيف)، فكيف لنا أن نتجاوزه؛ بحثاً عن الكم، الذي لن نخرج منه بطائل يُذكر؟ لكم حرية الإجابة. إن الكيف الذي نسعى إليه دوماً هو ذاك الذي يمكن أن نلقفه من صُناعه، ولعل أحد أهم من يهتم بهذه الصناعة، ويدركها على خير وجه على الصعيد المحلي (من وجهة نظري) هو: الفنان عبدالرحمن المناعي، الذي وعلى الرغم من اتساع خبراته الطويلة والعريضة في هذا المجال، إلا أنه وحتى هذه اللحظة يجول ويجوب الأرجاء وكأنه ذاك الطالب، الذي يخرج؛ طلباً للعلم في كل اتجاه يدرك بأنه سيأخذه إليه، فهو لا يكتفي بالتمسك بدور المعلم الذي يسكب كل ما لديه من علم؛ كي يتلقاه غيره؛ ليتابع خطواته ويراقبها من بعيد، ولكنه يبذل قصارى جهده؛ كي يُحافظ على صورة المسرح كما هي؛ لتدرك الأجيال القادمة أهميته ودوره الفعال في تغيير دفة المجتمع نحو الأفضل دون شك. لقد دفعتني محبة المناعي للمسرح وتعلقه الشديد به، إضافة إلى حرصه الدائم على اغتنام كل لحظة من لحظات حياته في التفكير به وبشكلٍ جدي، إلى الوقوف على رأس إنجازات هذه الروح المُحلقة، التي قررت التحليق عالياً دون الالتفات لأي نوع من المعوقات التي قد تطيح بقدرات الكاتب، أو تتُلفها ما لم تنصاع لظروف الحياة، التي أراها تخجل أمام الطاقات العالية كطاقة المناعي، الذي يتحفنا وفي كل مرة بجديد يؤكد على وجوده في الساحة، وعلى حقيقة حبه للمسرح، فهو يدرك تماماً كما يدرك سواه ممن يتمتع بعقلية واعية دور المسرح القادر على بث رسالة (الإصلاح والتغيير) بل ونشرها وبصورة راقية لاشك ستروق المتلقي دون أن ينفر منها ومن خلال أعمال ستعلق في الذاكرة شأنها شأن كل وأي عمل يتميز بالجودة العالية، التي تستحق الفوز بمرتبة أعلى.وأخيراًإن التحدث عن المبدعين يتطلب أقلاماً مبدعة تدرك وتُجيد ما تفعله، وصفحات تُكًرس لفعل ذلك على خير وجه، ومساحات زمنية لابد وأن تُخصص من أجل ذلك؛ لذا ونظراً لتوافر الجميع دونها المساحة التي شارفت على الانتهاء، فيكفي بأن نتوجه بخالص الشكر والتقدير للفنان عبدالرحمن المناعي على كل ما يتقدم به في سبيل المحافظة على استمرارية المسرح، كآخر ورشة عمل نظمها من خلال فرقة الدوحة المسرحية بعنوان (إعداد الممثل) التي تسعى إلى تنمية مهارات الممثل الجسدية، الصوتية، وضبط مخارج الحروف وذلك باعتماد التدريبات اليومية التي تساعد على التركيز، التخيل، والتعريف بكيفية بناء الشخصية، والحق أن التركيز على ورشة كهذه لاشك سيبني قاعدة مسرحية متينة يمكن بأن يستند إليها الجيل القادم إن شاء الله، وحتى ندرك تلك المخرجات فعلاً نسأل الله التوفيق للجميع (اللهم آمين).