11 سبتمبر 2025
تسجيلكانت هذه الكلمة هي أول تماس حقيقي بين شدة الظلام وبزوغ الفجر، بين ضيق الجهل وفضاء العلم، بين التيه الحاصل والرشاد المرتقب. كانت بحق ميلادا جديدا للبشرية تحول معها خط التاريخ كما لم يتحول من قبل قط، وأقامت عمق تلك الكلمة المستمدة من الوحيين ربطا بين الأرض والسماء، بين الدنيا والآخرة، وأصبح العلم والتعلم والنهضة الحاصلة عبادة يتقرب بها صاحبها، ورفعة يترقى بها طالبها. إن قاعدة العمران قاضية وفق السنن الكونية: أن أمة العلم هي الباقية والأخرى الآفلة، وأن الحاضر والمستقبل موقوف حصرا على أمة تترقى بالعلم والمعرفة، وتلك خطوط فاصلة (ليَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) بلا غموض عن عمد ولا التواء عن قصد. إن مما يجب أن يستقر في ضمائرنا وعقيدتنا أن الدنيا لن تنال بجهل، وأن العلم وسيلة ارتقاء وتمكن وتمكين، وأن رفعة العبد عند الله بالعلم أقصر الطرق وأقومها، وقد صدق علي بن أبي طالب حين قال: (من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالعلم). العلم عند الحقيقة هو الشرف والسؤدد الباقي، وقد أحسن من قال: الناس من جهــة الآبــــاء أكـفــاء أبـــــوهم آدم والأم حــواء فإن يكن لهم من أصلهم شــرف يفاخرون به فالطين والـــــــــمـاء ما الفضل إلا لأهل العلم إنهــــمُ على الهدى لمن استهدى أدلاء ففز بعلـم تــــعش حيّاً به أبـــــداً الناس موتى وأهل العلم أحـــياء ومقدار كل امرئ ما كان يحسنه والجــاهلون لأهل العــــلم أعداء إن طلب العلم وبذله في الإسلام مع النية الصادقة عبادة من أجلّ العبادات وأرفعها، ويكفي المنتسب لها شرفا أن يعلم: - أن الله استشْهَدهم على ما شَهِدَ به هو تبارك وتعالى؛ قال عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ } [آل عمران: 18]. - وأنهم ورثة الأنبياء ما داموا في هذا الطريق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ». - وأنهم أهل الرفعة لجلال ما يطلبون أو يبذلون {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]. - وأن أجرهم موصول وإن انقضت أعمارهم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له». وحيثما قلبت ناظريك في النصوص الشرعية وجدت فضل العلم وأهله في الذروة العليّة، ويكفيك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل اللهُ له طريقًا إلى الجنةِ، وإنَّ الملائكةَ لَتضعُ أجنحتَها لطالبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ، وإنَّ العالمَ لَيستغفرُ له مَن في السماواتِ ومن في الأرضِ، حتى الحيتانُ في الماءِ، وفضلُ العالمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ، وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ)» إننا وفي بواكير عام دراسي جديد أقبل فيه الطلاب على مدارسهم ومعلميهم، لنرجو الله أن تكون تلك المحكمات حاضرة في نفوس الناشئة، حتى يقبل المقبل على نية ويبذل الباذل عن رغبة وبيّنة.