15 سبتمبر 2025
تسجيليقول المثل الشعبي: (إذا تبي تحيره خيره)، تذكرت المثل عندما جاءتني إحداهن في حيرة تستشيرني، أي تخصص جامعي أسجل؟، تقول إن والديها يريدان تخصص علوم الحاسب، فسألتها، وأنت ماذا تريدين؟، أجابت: تخصص اللغة الانجليزية، وهي في صراع بين رغبتهما وما تحب. ينبغي أن نذكر أن حسن الاختيار لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة تنمية هذه المهارة من الصغر، فيعود الطفل على أن يجيد اختيار نوعية أكله، ولون ملابسه، وصفه ومدرسته وأقرانه، ودراسته، وعمله، وزوجته. دعوني أقول لكم إن الاختيار من السهل جداً تعلمه من خلال رغباتنا والبيئة المحيطة بنا، ودائماً تنحصر الاختيارات بين السعادة والحرية، والغالبية تفضل السعادة. لكن الحياة مليئة بالخيارات، ولزاماً علينا أن نختار من بينها ما نريده وما يوافق مصلحتنا، والأصعب من ذلك عندما نجد أنفسنا مضطرين للاختيار بين أمرين وأحلاهما مر، وهنا أتذكر والدة الشاب القطري صاحب الهمة غانم المفتاح عندما اختارت أن يبقى وألا تتخلص منه وهو جنين بحسب رأي الأطباء بعد أن رأوا أنه سيصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة، وحسنا فعلت فها هو الآن وقد أصبح غانم الرابح. وهنا يتضح لنا دور وأهمية الاستخارة التي لا تأتي إلا بكل خير في اختيار الطريق الذي ييسره الله عز جل لك فتجده سهلا، وتشعر بحالة من الرضا عند اختياره أو التفكير به، أما الاختيار الثاني فتجد عائقاً خلفه عائق أكبر منه ولا ترتاح نفسك إليه فتحجم عنه. الغريب أن هناك من يتنازل عن حريته بحجة أن يريح رأسه، وهو بذلك تنازل عن نفسه وعن إرادته الحرة للآخرين فيختارون له، وعلى هذا الصعيد يقول الأديب طه حسين: "معظم أنواع الفشل تحدث بسبب عدم الاختيار لا بسبب الاختيار الخاطئ"، لذلك عليك أن تتحمل عواقب الأمر كله فهو قرارك والأمر في البداية والنهاية لك وستكون مسؤولاً عنه، قد ترى أن الاختيار حلو وسهل لكن الأصعب التعايش مع نتائج ذلك الخيار لاحقاً. لا أنسى أبداً مشهد أليس في بلاد العجائب في القصة الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه، عندما صادفت الأرنب مسرعاً أمامها، سألته أي طريق أختار، فرد عليها وهو يكمل طريقه بذات السرعة، لا يهم أي طريق تختارين طالما أنك لا تعرفين إلى أين تريدين الذهاب. نعم.. بعض الخيارات في الحياة مهمة ومصيرية ولا تراجع عنها، وبعضها قيود وبعضها حرية، وبعضها نجاة وبعضها هلاك.. ولك وحدك الخيار.. فماذا ستختار؟. فكر واستخر قبل أن تتخذ قرارك النهائي لأنك وحدك المسؤول عن نتائجه. طبعاً هذا لا يعني أنك لا تستأنس برأي من حولك في بعض القرارات أحيانا من ذوي الخبرة والتخصص والاهتمام، ولكن يعني أن القرار الأخير في النهاية سيكون لك. أما بالنسبة للقرارات المتعلقة بالدراسة واختيار التخصص، فالأفضل أن يتم الاختيار بالتفاهم، وهنا أدعو الآباء والأمهات لتفهم رغبات أبنائهم وبناتهم.. فهي حياتهم ودراستهم ومستقبلهم في النهاية، ولا مانع من الإرشاد والتوجيه دون إكراه أو إجبار... وكل هذا وبيني وبينكم.